مع أنك عرفت فيما تقدم أن بدل الوقف وقف، فلا يصح ذلك إلا بحملها على صورة قبل القبض لا بعده، خصوصا يساعد على ذلك قوله (عليه السلام):
إن بيع الوقف أمثل، حيث إن الواقف يريد الثواب، فإذا فعل هكذا فإنه لا يقع بين الموقوف عليهم اختلاف فيكون أصوب وأمثل.
الجهة الرابعة، وهي العمدة، إن قوله (عليه السلام): إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف أن يبيع الوقف أمثل، ومع قول السائل في سؤاله: وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن من الواضح أنه أي خصوصية في علم الواقف بالاختلاف، وكذا عدم أمنه عن التفاقم والشدة، بل لا بد وأن يكون المناط علم المتصدي بالوقف، فليس ذلك إلا إذا كان أمر الوقف بيده، وهذا لا يتم إلا مع عدم تمامية الوقف وكون ذلك قبل القبض، لعدم انطباقها بشئ من الفتاوي المذكورة في المقام.
وعلى هذا فلا يجوز الاستدلال بها على بيع الوقف بترك الاستفصال كما في كلام المصنف (رحمه الله)، ومع ذلك كله فلا يجوز الاستدلال بها على المقصود أيضا مع ذلك التعليل الموجود فيه، وإن كانت صريحة في جواز البيع، بل لا بد من رد علمها إلى أهلها.
وذلك فإنه لا يخلو أما أن يراد من التعليل الحكمة أو العلية فلا واسطة بينهما، فإن أريد منه الحكمة فلازمه القول بجواز بيع الوقف بمجرد الاختلاف وإن لم يؤدي إلى تلف الأموال والنفوس، فإن ذلك كاختلاف المياه في باب العدة، فالتعميم ليس بلازم، وإن أريد منه التعليل والعلية، فلازم ذلك التعدي بكل اختلاف يوجب تلف الأموال والأنفس مع بقاء الوقف، وإن لم يكن بين أربابه اختلاف بل بين الجوار والطباخين والعمالين والمتولين ونحوهم، بحيث يكون المنشأ لذلك هو الوقف، وكلاهما لا يمكن الالتزام به.