بيان آخر والحاصل من أول المسألة المشهور بين الفقهاء أن العبرة في التقدير بزمان النبي (صلى الله عليه وآله)، فما كان مكيلا أو موزونا فيلحق بهما حكمهما إلى يوم القيامة وما لم يتعارف وزنه أو كيله في زمانه (صلى الله عليه وآله) فالعبرة فيه بما اتفق عليه البلاد، وإن لم يتفق البلاد فالعبرة فيه بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسها.
وقد ذكرنا أن هذا الذي ذكره المشهور مشكل بل مستحيل، فإن الالتزام بأن ما تعارف في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) كونه مكيلا أو موزونا كذلك إلى الأبد، سواء خرج عن كونهما مكيلا أو موزونا أم لا يقتضي كون القضية خارجية، ثم الالتزام فيما لم يتعارف وزنه أو كيله في ذلك الزمان بكون الميزان فيه العرف العام أو العرف الخاص يقتضي كون القضية حقيقية، فهما لا يجتمعان في انشاء واحد.
فإن النظر في القضية الخارجية إلى الأفراد الخارجية فقط وثبوت الحكم لها إلى الأبد أي ما دام موجودا، وفي القضية الحقيقية إلى وجود الموضوع مطلقا وكونه مفروض الوجود، بحيث إنه في أي زمان تحقق صدق عليه حكمه وفي أي زمان خرج عن كونه مكيلا أو موزونا يرتفع عنه الحكم، سواء كان مكيلا في زمان الشارع أم لم يكن، كما إذا ثبت وجود الاكرام على العلماء، فإنه يدور مدار صدق موضوع في أي زمان وجودا وعدما، فلو كان شخص عالما ثم نسي علمه يرتفع عنه وجوب الاكرام.
وعلى هذا فلا مناص عن حمل الروايات الواردة في المسألة إما على القضية الحقيقية أو على القضية الخارجية، ولكن الظاهر منها كون القضية الحقيقية، إذ لا خصوصية للأشياء التي كانت مكيلا أو موزونا في زمان