لا يعاقب على ترك التعلم، فإن اطمينانه بعدم الابتلاء حجة له عند الله، وبه يكون معذورا في الوقوع على الحرام كما هو واضح.
فمراد الفقهاء من حكمهم باستحباب تعلم مسائل الحلال والحرام هو هذا القسم، كما مثلنا بمثل معرفة مسائل خيار الحيوان ومسائل الزكاة.
توهم التعارض بين ما دل على تعلم الأحكام وبين ما دل على مطلوبية الاكتساب ودفعه ثم إنه ربما يتوهم التعارض بين ما دل على تعلم الأحكام وبين ما دل على مطلوبية الاكتساب، فإن ما دل على استحباب الاكتساب أعم من أهل العلم وغيره، وجمع بينهما صاحب الحدائق بالالتزام بأن أهل العلم خارج عن تحت تلك الأخبار الدالة على مطلوبية الاكتساب.
ولكنه واضح الدفع لعدم تماميته ثبوتا واثباتا، أما ثبوتا فلأنه كثيرا لا ينافي الكسب لطلب العلم، كما إذا عرف كسبا يصرف وقته فيه قليلا ولكن يربح كثيرا، فإن مثل هذا كيف يقال في حقه إنه ليس في حقه طلب الكسب، وأما ابتلاء فإن الناظر في تلك الأخبار الدالة على مطلوبية الاكتساب يرى أنها أعم، فلا وجه لاخراج أهل العلم عن تحتها لعدم الدليل عليه.
على أنه قد لا يكون الكسب مزاحما لتحصيل العلم، كما إذا كان له خط جيد فيكتب سطرا ويبيعه بدينار، فإن مثل ذلك لا يزاحم تحصيله بل يستحق بذلك الفضيلتين، وفاض بأجر تحصيل العلم وتحصيل الكسب، فأي شئ أعظم من ذلك كما عرفت، فلا وجه لرأي الحدائق ثبوتا واثباتا، فإن الكاسب حبيب الله وإن كان طالبا للعلم.