بيان آخر وبعبارة أخرى قد دلت الروايات الكثيرة على استحباب طلب العلم، وجملة أخرى من الروايات على استحباب طلب الكسب، وربما توهم التعارض بينهما، وجمع بينهما صاحب الحدائق، بتخصيص ما دل على استحباب الكسب بما دل على استحباب تحصيل العلم، وكون الأخبار الدالة على استحباب الكسب مختصا بغير أهل العلم.
وأيد ذلك بجملة من الأخبار الدالة على حسن التوكل، وأن أهل العلم لا بد وأن يتوكل على الله تعالى في أموره ويطلب من الله تعالى رزقه، وأيضا أيده بكلام الشهيد في المنية.
ولكن الظاهر أنه لا دلالة في شئ من المذكورات على مقصد الحدائق، كما أفاده المصنف، فإن حسن التوكل على الله لا يدل على الاعراض عن الكسب، وليس معناه أن الانسان يتوكل على الله ويقعد في بيته، بل معناه أنه يجب لكل شخص أن يتوكل على الله في أموره بالخصوص أهل العلم، فإنهم قواد الدين، بل كانت الأئمة (عليهم السلام) متوكلون على الله، ومع ذلك كانوا يشتغلون بالكسب، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أول من آمن بالله ومتوكلا عليه، ومع ذلك مؤجر نفسه لليهودي ويشتغل بالزراعة والتجارة.
وفي مجموعة الورام: إن الباقر (عليه السلام) كان يرجع من البستان وكان متكئا على الغلامين فاعترضه أحد الصواف: ما لك قد خرجت في هذه الحرارة لطلب الدنيا، فقال (عليه السلام): ليس هذا طلبا للدنيا بل من العبادة.
وبالجملة لا اشعار في شئ مما دل على لزوم التوكل وحسنه على ترك الكسب والاشتغال بطلب العلم، وإلا لجاز الاستدلال بها على