وذلك فإن المتبايعين وإن كانا عالمين بالقدرة على التسليم وكان مقتضى ذلك الحكم بعدم الغرر، لما عرفت من اعتبار الجهل في مفهوم الغرر، ولكن عرفت سابقا أن احتمال الخطر والهلاكة ليس موضوعا للحكم، بحيث يكون فساد المعاملة وعدمها دائرا مدار احتمال الخطر وعدم احتماله، بل أخذه في لسان الدليل من باب كفاية الشارع بأدنى مرتبة الغرر، لا أنه أي الاحتمال تمام الموضوع في المقام فلا محالة، فيكون الاحتمال طريقا إلى الواقع وبما أنه طريقا إليه يكون موردا للحكم.
ومن هنا قلنا فيما تقدم أنه مع القطع بالهلاك فيثبت الغرر بالأولوية، فإنه إذا ثبت الغرر باحتمال الهلاك وفسدت المعاملة باحتمال الهلاك وفي صور القطع بالهلاك فأولى بالفساد، مع أنه لو كان موضوع الحكم هو الاحتمال لما كان وجه لتسرية الحكم إلى القطع بالهلاك، لعدم أخذه في لسان الدليل.
وأما النبوي الثاني أعني النهي عن بيع ما ليس عنده، فهو أيضا شامل للمقام، فإنه غير قادر على التسليم وإن كان عالما به في الظاهر، إلا أنه جهل مركب فلا يفيد بوجه فتكون المعاملة فاسدة.
إذا اعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع قوله (رحمه الله): ولو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع.
أقول: ذكر المصنف أنه لو باع أحد ما يعتقد تمكنه من تسليمه كالساعة ونحوها، وتبين عجزه في زمان البيع ولكن تجددت قدرته بعد البيع صح، وإن لم يتجدد يبطل، ولم يستدل على ذلك بشئ.
والظاهر أنه لا وجه لهذا الكلام، ولا يترقب صدوره من المصنف (رحمه الله)،