القعود عن الكسب والحركة والتوكل على الله، فإن الله وإن أمر بالتوكل ومع ذلك أبي أن يجري الأمور إلا بأسبابها، فلا بد من الحركة نحو الحاجة والتوكل على الله في جميع الأمور، سواء كان في طلب العلم أو في طلب الكسب.
نعم لأهل العلم امتياز خاص في لزوم التوكل، فإنهم يقودون الناس إلى الله، فلا بد وأن يكون ايكالهم إليه محضا.
على أنك قد عرفت أن ما أفاده صاحب الحدائق ليس بتمام ثبوتا واثباتا، أما ثبوتا فلأنه قد لا يزاحم الكسب تحصيل العلم أصلا، ومع ذلك كيف يلتزم بعدم شمول أدلة استحباب الكسب في حقه، وقد عرفت مثاله، وأما اثباتا فلعدم الدليل عليه بوجه كما لا يخفى.
الكلام في تزاحم الكسب وطلب العلم التزاحم بين أمرين مستحبين التحقيق أن يقال: إنه لا معارضة بين أدلة استحباب طلب العلم وبين أدلة استحباب طلب الكسب، بل هما من قبيل المتزاحمين.
وبيان ذلك: أنه قد يكون كل من طلب العلم وطلب الكسب مستحبا في حقه، كما إذا كان عارفا لمسائله وأحكام دينه بالمقدار المعتد به وبالمقدار الذي يبتليه عادة، وكان أيضا من الحافظين للدين عن الاندراس موجودا من المجتهدين، وكان عنده أيضا من المال ما يكفيه بمؤونته ومؤونة عياله الواجب النفقة.
فإن مثل هذا الشخص يستحب له تحصيل العلم في المسائل التي يحتمل ابتلاءه بها، أو يتعلم لتعليم الناس، أو يتعلم ليدخل نفسه في سلك المجتهدين الموجودين بمقدار الكفاية، ففي مثل ذلك يكون