المقام الأول: في صحة البيع وعدمه تارة تقتضي العادة بعدم التغير، فلا شبهة في صحة البيع ولا خلاف فيها، كما إذا شاهدها قبل ساعة أو ساعتين، فإن العادة جارية على بقائها عن الحالة التي شوهد عليها، كما إذا شاهد جارية قبل شهر فاشتراها بعد الشهر، فإن العادة جارية على بقائها في تلك الحالة الأولية.
وأخرى أن العادة تقتضي عدم بقائها على الحالة الأولية، كما إذا شاهد الجارية قبل أربعين سنة في سن عشرين ووجدها جميلة وقوية البصر والسمع على الخياطة وسائر الصنايع، وبعد مضي الأربعين يريد أن يشتريها بتلك المشاهدة، فإن العادة جارية على تغيرها قطعا، وكونها عجوزة نهيبة بالية وضعيفة الصبر وقبيحة المنظرة، وهذا لا شبهة في بطلانه أيضا، وكلاهما خارجان عن محل الكلام.
وإنما مورد النزاع ما يشك في بقائها على تلك الحالة الأولية وعدم بقائها، لعدم جريان العادة بشئ فيها، فهل يجوز البيع هنا عملا بالاستصحاب لكونه من الطرق العقلائية المتعارفة من غير ذكر شئ من الصفات أم لا.
فقد حكم المصنف بالصحة للاعتماد على الأصل المذكور، وقد أشكل عليه شيخنا الأستاذ لعدم اعتبار الاستصحاب هنا، لأن الأثر لم يترتب على الواقع بل على احراز الصفات كانت في الواقع أو لم تكن، فإن ارتفاع الغرر من آثار العلم بوجود هذه الصفات، فاستصحاب بقاء الصفات لا أثر له.
ويرد عليه أنه مخالف لما بنى عليه في الأصول، من قيام الأصول مقام القطع الطريقي المحض والقطع الموضوعي كليهما، فحينئذ فلا مانع من