الموسوعة الفقهية الميسرة - الشيخ محمد علي الأنصاري - ج ٣ - الصفحة ١٩٢
من قبيل الخروج الموضوعي (1). لكن ربما يكون مقصودهم الخروج الحكمي، فتكون هذه الموارد من قبيل قولهم: " لا شك لكثير الشك " حيث يكون نفي الحكم فيها بلسان نفي الموضوع. فإن كثير الشك شاك واقعا، نعم لا يشمله حكم الشاك تسهيلا له، فيكون حكم الإسراف في هذه الموارد مستثنى من حكم الإسراف بصورة عامة.
ومع ذلك كله فقد حدد الفاضل النراقي الخروج الحكمي، ولم يلتزم به على إطلاقه. قال بعد ذكر الموارد المتقدمة:
"... فليس المراد نفي حرمة الإسراف فيها، حتى إنه لو رش أحد فضاء بيته وسطوحه وباب داره بماء الورد، أو يطلي أبواب بيته وجدرانه بالمسك والعنبر، ولو كان فقيرا، جاز ذلك ولم يكن مسرفا، وكذا إذا أسرج المشاعل في النهار أو نحوه، وكذا البواقي، بل المراد: أن الإكثار في هذه الأمور مطلوب، والتجاوز عن الحد في الجملة فيها معفو، مع أنه ورد: " أن عدم الإسراف في المأكل لأنه لا يضيع بل يأكله الآكلون ". ولو سلم، فإنما يكون من باب الاستثناء " (2).
وسوف نبحث عن الموارد المتقدمة كغيرها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، لكن نقتصر هنا على الكلام فيما ورد في بعض الروايات: من أنه " ليس فيما أصلح البدن إسراف " فهل يجوز الأخذ بالرواية على الإطلاق حتى فيما عده العرف إسرافا، بمجرد أنه نافع للبدن؟
إذن لا بد من تقييد الروايات بما لا يعده العرف إسرافا قطعا.
هذا مع غض النظر عما في سند الرواية من الضعف والإرسال (1).

(١) مثل ما ورد في جامع الشرائع: ٢٨: " والتدلك بالدقيق ليس بسرف، إنما السرف فيما أضر بالبدن وأتلف المال "، وما ورد في الذكرى ١: ١٥٥: " ويجوز التدلك في الحمام بالدقيق... ولا سرف فيما ينفع البدن... ".
(٢) عوائد الأيام: ٦٣٦.
(١) روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال له: " إنا نكون في طريق مكة فنريد الإحرام فنطلي ولا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة، فنتدلك بالدقيق وقد دخلني من ذلك ما الله أعلم به، قال: أمخافة الإسراف؟ قلت: نعم، قال: ليس فيما أصلح البدن إسراف، إني ربما أمرت بالنقي فيلت بالزيت فأتدلك به. إنما الإسراف في ما أفسد المال وأضر بالبدن.
قلت: فما الإقتار؟ قال: أكل الخبز والملح وأنت تقدر على غيره، قلت: فما القصد؟ قال: الخبز واللحم واللبن والخل والسمن، مرة هذا، ومرة هذا ". الكافي ٤: ٥٣، الحديث 10.
أما إرسال الرواية، فمن جهة أن إسحاق بن عبد العزيز نقلها عن بعض الأصحاب ولم ينقلها عن الإمام (عليه السلام) مباشرة.
وأما ضعفها، فمن جهة أن إسحاق بن عبد العزيز قد ذكره العلامة في الضعفاء، ونقل عن ابن الغضائري أنه قال عنه: " يعرف حديثه تارة وينكر أخرى، ويجوز أن يخرج شاهدا ".
رجال العلامة الحلي المعروف ب‍ " خلاصة الرجال ":
201
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست