والظاهر أن القول الآخر ليس لفقهائنا، ولذلك لم نعثر عليه. ويؤيده كلام الفاضل الإصفهاني، حيث قال: " ويجب عندنا التناول للحفظ من التلف أو غيره، فلو طلب التنزه وهو يخاف التلف لم يجز، لوجوب دفع الضرر عن النفس وخصوصا التلف، وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام):
" من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر " (1). وللشافعي وجهان " (2).
ووجه التأييد: ظهور كلامه في دعوى الإجماع على الوجوب، ونسبته الوجهين إلى الشافعي.
الاضطرار إلى طعام الغير:
الاضطرار إلى طعام الغير، تارة يكون على وجه التعيين بحيث لا يجد غيره، وتارة يكون على وجه التخيير بحيث يكون مرددا بين أكل مال الغير وأكل الميتة ونحوها من المحرمات.
الاضطرار إلى طعام الغير على وجه التعيين:
والبحث فيه تارة من جهة الحكم التكليفي وأخرى من جهة الحكم الوضعي:
أولا - من جهة الحكم التكليفي:
للاضطرار إلى طعام الغير صورتان:
الصورة الأولى - أن يكون المالك مضطرا أيضا.
وفي هذه الصورة:
إما أن يتساويا في الحرمة، كأن يكونا مسلمين، أو يختلفا.
1 - فإن تساويا: فهل يجوز للمالك أن يؤثر الغير على نفسه، لتساويهما، ولعموم قوله تعالى:
* (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (1)، ولأن المقصود حفظ النفس المحترمة وهو حاصل بأحدهما، فلا ترجيح؟
أو لا يجوز، لأن له القدرة على حفظ نفسه بعدم بذل ماله وطعامه وحفظ النفس مع القدرة واجب، ولما في بذل المال والطعام للغير من إلقاء النفس في التهلكة؟
فيه وجهان، بل قولان.
مال الشهيد الثاني إلى الأول مدعيا عدم كونه من باب " إلقاء النفس في التهلكة "، بل هو من قبيل ثبات المجاهد، فهو فائز ليس بهالك (2).
واستظهره النراقي، خاصة إذا كان المستنقذ أكثر من واحد (3).