الموسوعة الفقهية الميسرة - الشيخ محمد علي الأنصاري - ج ٣ - الصفحة ٢٣٧
المجرم، بحيث يرتدع بها عن العود إليها، فربما يحصل الارتداع بمجرد إحضار الشخص إلى محل القضاء، أو ملامته ونحو ذلك.
نعم، ينبغي أن لا يتجاوز التعزير بالجلد أقل الحد بالجلد، ويبدو أن هذا المقدار لا كلام فيه، وإنما الكلام في المراد منه، فقيل: أن لا يبلغ في العبد أقل حد العبد، وهو أربعون جلدة، وأن لا يبلغ في الحر أقل حد الحر، وهو خمس وسبعون جلدة، وقيل: أن لا يبلغ فيهما أقل الحد في العبد، وقيل غير ذلك.
فينبغي أن لا يتجاوزه التعزير بالجلد (1).
وكذا بالنسبة إلى غيره من أنواع التعزيرات، فإذا كان يحصل الارتداع بمجرد الإرشاد والتذكرة، فلا يتعداها، وإن كان يحصل بالملامة فلا يتجاوزها إلى الضرب.
ويشعر بذلك ما ورد في عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر حينما ولاه مصر، حيث قال: "... فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه من غير إسراف " (2).
والعقوبة هنا من نوع التعزير، لأنها غير مقدرة.
الإسراف في التأديب:
لا إشكال في أصل مشروعية التأديب، لكن حددت بعض النصوص ذلك بثلاثة أو أربعة أو خمسة أسواط (1)، وحددها بعض الفقهاء بعشرة (2)، وقال بكراهة الزيادة على ذلك (3).
وسوف يأتي الكلام عن ذلك كله في عنوان:
" تأديب " إن شاء الله تعالى.
والمهم هنا بيان أن المشروع إجمالا هو المقدار

(١) أنظر الجواهر ٤١: ٢٥٤ - ٢٥٧ و ٤٤٨.
(٢) نهج البلاغة: ٤٣٨، قسم الرسائل، رقم ٥٣ رسالته (عليه السلام) إلى الأشتر.
(١) عن إسحاق بن عمار، قال " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال: وكم تضربه؟ قلت: ربما ضربته مئة، فقال: مئة؟! مئة؟!
- فأعاد ذلك مرتين، ثم قال -: حد الزنا؟! اتق الله، فقلت: جعلت فداك، فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال:
واحدا، فقلت: والله لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا إلا أفسده، قال: فاثنين، فقلت: هذا هو هلاكي، قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ خمسة، ثم غضب، فقال: يا إسحاق إن كنت تدري حد ما أجرم فأقم الحد فيه، ولا تعد حدود الله ".
الوسائل ٢٨: ٥١، الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الحدود، الحديث ٢.
(٢) شرائع الإسلام ٤: ١٦٧.
(٣) استشكل صاحب الجواهر في هذا المعنى، فقال: " لم ينقحوا وجه الجواز في الزيادة لكن على جهة المرجوحية، ضرورة أنه بعد أن كان مقدار ذلك راجعا إليه، فمع فرض توقف الأدب عليها لا يجوز له تركها إذا وجب، وإذا لم يتوقف لم يجز له فعلها، فلا بد من حمل ذلك على حال عدم العلم بالحال ". الجواهر ٤١: ٤٤٥.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست