وبما تقدم يتضح أن دلالة الإشارة ليست من دلالة المنطوق (1)، ولا من دلالة المفهوم، وقد سماها بعضهم ب " الدلالة السياقية "، لأن سياق الكلام يدل عليها، وقد نسبت هذه التسمية إلى جماعة من الأساطين (2).
ومثاله: دلالة مجموع قوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (3) مع قوله تعالى: * (وفصاله في عامين) * (4) على أقل مدة الحمل، وهو ستة أشهر (5).
ومن هذا القبيل دلالة وجوب الشئ على وجوب مقدمته، لأنه لازم له، لزوما بينا بالمعنى الأعم، ولذلك جعلوا وجوب المقدمة وجوبا تبعيا لا أصليا، لأنه ليس مدلولا للكلام بالقصد وإنما يفهم بالتبع، أي بدلالة الإشارة (6).
حجية دلالة الإشارة:
جرى ذكر هذه الدلالة - ودلالتي الاقتضاء والإيماء - على لسان الفقهاء والأصوليين، لكن اكتفوا بذكرها والتمثيل لها بالآيتين من دون أن يتطرقوا إلى البحث عن حجيتها غالبا. نعم تطرق إليه بعضهم ويستفاد من كلام بعض آخر.
فمثلا: قال الشهيد الأول: " يستفاد من دلالة الإشارة أحكام " (1)، ثم ذكر استفادة أقل الحمل من الآيتين، وكلامه يدل على حجيتها عنده.
وقال الفاضل التوني: " وحجيته ظاهرة إذا كان اللازم قطعيا " (2).
وقال المحقق القمي: " وهذه الدلالة متروكة في نظر أرباب الفن " (3).
لكن قال في بحث مقدمة الواجب: "... نعم يمكن القول باستلزام الخطاب لإرادتها حتما بالتبع، بمعنى أنه لا يرضى بترك المقدمة، ولا يجوز تصريح الآمر بعدم مطلوبيتها، للزوم التناقض من باب دلالة الإشارة " (4).
فإن طلب المقدمة - ولو تبعا - والرضا بتركها يستلزم التناقض، فيكون مجموع الطلب والرضا بالترك دالا بدليل الإشارة على التناقض.
ولأجل التخلص من التناقض لا بد من القول بعدم الرضا بترك المقدمة وهو معنى وجوبها.
ولعل مقصوده من العبارة الأولى: عدم اعتبار