الفرق بين الاستقراء وقاعدة إلحاق الشئ بالأعم الأغلب:
تجري على ألسنة الفقهاء قاعدة أخرى ربما تشبه الاستقراء، لكنها تختلف عنه، وهي قاعدة " إلحاق الشئ بالأعم الأغلب " ومفادها: أنه لو كان لماهية - كالإنسان مثلا - صنفان، وكان أحدهما في جانب القلة، والآخر في جانب الكثرة - كالإنسان ذي رأسين، والإنسان ذي رأس واحد، فإن الأول في جانب القلة، والثاني في جانب الكثرة والغلبة - ثم شككنا في فرد: هل هو من الصنف الكثير الغالب، أو من الصنف القليل؟ فالقاعدة تقتضي إلحاقه بالصنف الغالب.
ويمكن تصوير القاعدة أيضا فيما لو أحرزنا جانب الغلبة وشككنا في أصل وجود القلة، كما لو فرضنا في المثال السابق الإنسان ذا عشرة رؤوس بدلا من ذي رأسين.
والفرق بين هذه القاعدة والاستقراء هو:
أنا ربما نقطع بوجود أفراد مخالفة للجانب الغالب، كما في المثال الأول، وهذا لا يجوز في الاستقراء، فإنا لو قطعنا بوجود فرد لا يشترك مع سائر الأفراد في الحكم، فلا يحصل الاطمئنان بنتيجة الاستقراء.
وبذلك صرح المحقق الإصفهاني، حيث قال: " إن ملاك إفادة الغلبة للظن مغاير لملاك إفادة الاستقراء الناقص للظن، فإن الغلبة تجامع القطع بمخالفة الأفراد الغالبة للأفراد النادرة دون الاستقراء الناقص " (1).
وأما من حيث الاعتبار والحجية فقد صرح بعضهم: بأن قاعدة " إلحاق الشئ... " أقل درجة من قاعدة الاستقراء (2).
أقسام الاستقراء:
ينقسم الاستقراء إلى قسمين: الاستقراء التام والاستقراء الناقص:
الاستقراء التام:
وهو أن يفحص الإنسان جميع جزئيات كلي معين فيرى اشتراكها في أمر واحد، ثم يحكم على الكلي بذلك الأمر المشترك. وقد ادعى بعض الفقهاء والأصوليين (3) عدم وقوعه في الفقه، إلا أنه يظهر من كلمات بعضهم وقوعه، مثل:
1 - ما ذكره الشيخ الأنصاري دليلا على حجية الاستصحاب، فقال: " إنا تتبعنا موارد الشك في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع، فلم نجد من أول الفقه إلى آخره موردا إلا وحكم الشارع فيه بالبقاء إلا مع أمارة توجب الظن بالخلاف... " إلى أن قال:
" والإنصاف أن هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع، وهو أولى من الاستقراء الذي ذكر غير واحد