بعضهم على نحو الإجمال، قال صاحب الجواهر في موضع - مشيرا إلى عدم صدق أكل الخبيث لو استهلك في غيره -: " ولعل من ذلك (1) ما يقع من فرث الغنم مثلا في لبنها وإن بقي أجزاء منه بعد إخراجه منه استهلكت فيه " (2).
وقال في موضع آخر - عند الكلام عن حرمة العصير العنبي وحرمة ما يمازجه -: "... بل الظاهر حرمة الممتزج بالطاهر منها إذا لم تتحقق استحالته إلى غيره من المحلل أو استهلاكه على وجه يلحق بها،... ضرورة عدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى عدم التمييز بين أجزاء المحلل والمحرم، كما هو واضح " (3).
ومحل الاستشهاد العبارة الأخيرة، حيث أطلق القول فيها بعدم حلية المحرم بالاستهلاك بمعنى تفرق الأجزاء وعدم التمييز بينها وبين أجزاء المحلل.
نعم لو كان بمعنى الاستحالة أو ما يقرب منها فهو يرفع الحرمة. ولكن مثال الفرث واللبن من القسم الأول مع أنه قال بارتفاع الحرمة فيه.
وجاء في رسائل المحقق الكركي:
" مسألة: لو اتفق وقوع لعاب حيوان طاهر في الماء الذي في إناء، هل شرب ذلك الماء جائز أم لا؟ وكذا القول في مائع غير الماء؟
الجواب: إن بقي اللعاب متميزا عن المائع لم يحرم سوى اللعاب دون المائع، وإن استهلك ولم يبق إلا المائع فقط، ففي حله وجه ليس ببعيد " (1).
وجاء في بعض رسائل الشهيد الثاني:
" مسألة: لو وقع قطرة من بول مأكول اللحم أو بعض فضلاته في المائع كالحليب، ما حكمه؟
الجواب: إن استهلك فيه حل الجميع على الظاهر " (2).
وتقدم عن السيد اليزدي جواز أكل ما استهلك في الفم من المحرمات كالدم ونحوه، وتقرير السيدين الحكيم والخوئي له (3).
كانت هذه أهم الموارد التي يتحقق فيها الاستهلاك وبيان أحكامها، وبقيت موارد أخرى، مثل مسألة استهلاك اللبن بغيره عند الرضاع وما يترتب عليه من نشر الحرمة - أو عدمه - واستهلاك المغصوب في غيره، وحصول الضمان بسبب خلط مال الغير مع ماله واستهلاكه فيه، وإن لم يكن غاصبا، ونحوها من الموارد.