فيعلم من جميع ذلك أن النظر في النقود والأثمان إلى الرواج لا إلى واقعها وأنها من أي جنس، بل يكون للبايع تبديل ذلك الدرهم بدرهم آخر لو كان الثمن كلي الدراهم، ويكون له الخيار ومطالبة التفاوت إذا كان شخصيا، بل السيرة القطعية قائمة على المعاملة بالنقود المسكوكة معاملة المعدودات، ولا يشك أحد في ذلك بل لا يلتفتون إليه وكونها مكيلة أو موزونة، بل ولا يعلم الناس أجمع أو أكثرهم مقدار الدراهم المسكوكة الرائجة إلا إذا كان بحسب الأصل مسكوكا على ميزان خاص ومشتهرا بين الناس كالقرانات السابقة في إيران.
وبالجملة لا نحتمل أن يشك أحد في كون الدراهم والدنانير الرائجة من قبيل المعدودات.
ويدل على ما ذكرناه من كون النقود من المعدودات صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الشئ بالدراهم فأعطي الناقص الحبة والحبتين، قال: لا، حتى تبينه، ثم قال:
إلا أن يكون هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا (1).
فإنها صريحة في كون الدراهم من المعدودات، وأما النهي عن اعطاء الناقص فليس من جهة الجهالة بل من جهة الغش، وقد تقدم أنه حرام في المعاملات.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن النقود المضروبة من الفلزات ليست من الموزون وإن كانت من جنسها، فلا يعتبر فيها الوزن ولا يضر الجهل بها بصحة المعاملة، ولا يقاس المقام بالربا فإنه يجري في كل جنس يكون من المكيل والموزون.