ويرد عليه أولا: أن الاستصحاب هنا تعليقي، ومع الغض عنه فلا يجري في الشبهات الحكمية، ومع الغض أيضا فالموضوع هنا متبدل، حيث إن موضوع الجواز في أحدهما الكفر والآخر الاسلام قد تبدل كل منهما إلى الآخر، فهما في نظر العرف من المتباينين، فيكون الاستصحاب اسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.
وثانيا: إن عدم القول بالفصل بناء على اعتباره وحجيته إنما يتم في الأحكام الواقعية، أي الأحكام الثابتة بالأمارات مع القطع بالملازمة بينهما، وأما الأحكام الظاهرية أي الأحكام الثابتة بالأصول، سواء كانت محرزة أو غير محرزة فلا يجري فيها، ولذا يحكم في مقدار خاص من الماء تارة بالقلة إذا كان مسبوقا بها، وأخرى بالكثرة إذا كان مسبوقا بها، ويحكم في مكان خاص بوجوب القصر تارة وبوجوب الاتمام أخرى، لاختلاف الحالة السابقة، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي وقع التفكيك فيها في الأحكام الظاهرية.
والوجه في ذلك أن جريان الاستصحاب تابع لوجود اليقين والشك، فأينما وجدا نحكم بجريانه وإلا فلا، سواء توافق مفادهما أم تخالفا، كما لا يخفى.
وثالثا: أن أصالة الصحة إنما تعارض أصالة الفساد في العقود متقدم للحكومة إذا كانا واردين على مورد واحد، كما إذا شك في أن عقد الفلاني صحيح أو فاسد، فمقتضى عدم انتقال مال كل من المتعاملين إلى الآخر هو الفساد، ومقتضى أصالة الصحة هو الصحة، فتكون مقدمة على أصالة الفساد لحكومتها عليها، إذ لو لم تتقدم لكانت ملغاة، إذ ما من مورد من موارد أصالة الصحة إلا فأصالة الفساد فيه موجودة، فلو كانت حاكمة على أصالة الصحة لم تكن فائدة في جعل أصالة الصحة.