الإنفاق على الفقراء وبناء الطرق ونحو ذلك، لكن البحث هنا في كثرة العبادة البدنية والخروج عن حد الاعتدال.
الثالث - إنما الكلام هنا عن الإسراف في العبادة في حد ذاته مع غض النظر عن استلزامه عنوانا - محرما أو مكروها - آخر، كالضرر والحرج ونحوهما، وإلا فالحرمة أو الكراهة تكون من تلك الجهة (1).
وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة نقول:
إن الشريعة بنت أسسها على الاعتدال والاقتصاد، فهي ترغب المسلمين في مراعاة هذه الجهة حتى في الجانب العبادي، ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى نبيه عن ذلك، فقال عز من قائل:
* (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) * (2)، وورد عن النبي وآله عليهم الصلاة والسلام النهي عن التوغل في العبادة، فمن جملة ذلك:
1 - ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن لكل عبادة شرة ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن خالف سنتي، فقد ضل وكان عمله في تباب، أما إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني " (1).
والشرة - بكسر الشين وتشديد الراء -: شدة الرغبة (2).
والتباب: الخسران والهلاك (3).
2 - وعن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع، ولا ظهرا أبقى " (4).
والإيغال: السير الشديد، يقال: أوغل القوم إذا أمعنوا في سيرهم (5).