الحاكم هو الذي يحكم بين الناس بالسيف والسوط، وليس ذلك شأن القاضي، وقد كان ذلك متعارف في الزمان السابق، وإن كان قد اتفق الاتحاد في بعض الأزمنة، بل الظاهر من صدرها هو كون القاضي مقابلا للسلطان، وقد قرر الإمام (عليه السلام) ذلك.
وفيه أن ما كان متعارفا في الأزمنة السابقة بل فيما يقرب إلى زماننا هو تغاير الوالي والقاضي، وأن القاضي من كان يصدر منه الحكم والوالي هو المجري لذلك الحكم، وأما القاضي والحاكم فهما متحدان، ومن هنا قال (عليه السلام) في بعض الروايات: جعلته عليكم قاضيا (1)، ويدل على اتحادهما بما في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام): فإني قد جعلته حاكما، إذ لو كان القاضي غير الحاكم لم يقل إني قد جعلته حاكما مع كون المذكور في صدر الرواية لفظ القاضي.
والعجب منه (رحمه الله) حيث أيد مدعاه بكون القاضي مقابلا للسلطان في صدر الرواية مع أنه ليس كذلك، إذ المذكور في الصدر أنه تحاكما إلى السلطان أو القاضي، ومن البديهي أن السلطان غير القاضي والحاكم، وأن المرافعات قد ترفع إلى القاضي وقد ترفع إلى السلطان، ولأجل ذلك ذكر في صدر الرواية السلطان والقاضي.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه ليس للفقيه ولاية على أموال الناس وأنفسهم على الوجه الأول بمعنى استقلاله في التصرف فيهما، ومن هنا اتضح أنه ليس له اجبار الناس على جباية الخمس والزكاة وسائر الحقوق الواجبة كما هو واضح.