وقال الشهيد الثاني: " يستثنى من الحكم ببطلان فعل المكره ما إذا كان الإكراه بحق، فإنه صحيح، كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد، إذ لو لم يصح لما كان للإكراه عليه معنى... - إلى أن قال: - ولا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فما بعده، لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عما في الضمير منزلة الإقرار، والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب.
لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين والاطلاع على دينهم يوجب له التصديق القلبي تدريجا، فيكون الإقرار اللساني سببا في التصديق القلبي " (1).
لكن استشكل عليه بعضهم، لأنه جعل الشهادة كالإقرار في كونها تعرب عما في الضمير، وليس كذلك، بل هي سبب مستقل للإسلام، لا أنها تكشف عن تحققه في الباطن، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
وممن صرح بصحة إسلام المكره، المحقق السبزواري، فإنه قال: "... فلا يصح طلاق المكره بلا خلاف... وكذا الحكم في سائر التصرفات التي أكره عليها، إلا إذا كان الإكراه بحق، فإنه صحيح كإكراه الحربي على الإسلام والمرتد... " (2).
وقال الفاضل الإصفهاني - مازجا كلامه بكلام العلامة في القواعد، الذي تقدم آنفا -:
" والإكراه يمنع من صحة سائر التصرفات من عقد أو إيقاع أو غيرهما إلا إسلام الحربي فيعتبر في ظاهر الشرع مع الإكراه وإلا لم يقاتلوا عليه. والسر فيه:
أن كثيرا من المكرهين عليه يتدرج إلى الإيمان بالقلب إذا أقر عليه ويتسببون في رغبة غيرهم في الإسلام ويتقوى بهم المؤمنون ويعظم شوكتهم ويخاف أعداؤهم " (1).
وقال صاحب الحدائق بعد نقل كلام الشهيد الثاني: " أقول: لا ريب أن محل الإشكال عنده هنا إنما هو إسلام المنافقين المقرين بمجرد اللسان مع عدم التصديق القلبي، والأخبار قد دلت على أن فائدة هذا الإسلام إنما هو بالنسبة إلى الأمور الدنيوية من حقن الدم والمال والطهارة وجواز المناكحة ونحو ذلك، وأما بالنسبة إلى الآخرة، فإنهم من أهل النار، والإكراه حينئذ إنما تعلق بإظهاره وإن كان كاذبا بحسب الواقع، وهذا مما لا غموض فيه... " (2).
وقال كاشف الغطاء - بعد كلام في كيفية تحقق الإسلام وقد تقدم شطره -: " وتقبل مع الجبر إن كان ممن لا يقر على دينه، ومن المنافق على الأقوى " (3).