لينتفعوا به فعلا، وأما حفظ الوقف للبطون اللاحقة لينتفعوا به هؤلاء أيضا فليس بواجب، فإن نسبة البطن الأول إلى البطن الثاني كنسبة الجوار والأجانب إلى البطن الثاني، فهل يتوهم أحد أنه يجب تعمير الأوقاف التي كانت في معرض التلف فليس كذلك، فالموقوفة فعلا ملك للبطن الأول فلهم الانتفاع به وليس للبطن الثاني حق فيها إلا الحق التقديري بحسب انشاء الواقف كما عرفت، فبأي دليل يجب أن يصرف البطن الأول أموالهم في حفظ أموال المعدومين، مع أن حقيقة الواقف التي تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة موجودة فعلا.
نعم لو كان الوقف غير منتفع به بالفعل فيجب التعمير والصرف لتحقق غرض الواقف ولكن ليس الأمر كذلك، نعم يجب صرفه في التعميرات الجزئية التي يترتب على عدمها خراب الوقف، كما إذا سقط ميزاب الدار أو حصل ثقب في سقفه، فإنه لو لم يعمر ذلك لانجر بنزول المطر إلى خراب الوقف وانهدامه وعدم امكان انتفاع البطن الموجود أيضا، فمثل هذه الأمور التي لا يحتاج إلى مؤونة زائدة بل إلى عشرة فليس مثلا يجب.
بل يمكن أن يقال: أنه على هذا شرط الواقف في ضمن العقد، فإنه لو لم يجب تعمير مثل هذه الأمور من منافع الوقف لانهدم في مدة قليلة وخرب، وهذه خلاف كونه أبديا.
وبعبارة أخرى تارة يكون الخراب مستندا إلى الأمور الجزئية كما تقدم، فلا شبهة في وجوب التعمير وصرف مقدار من المنافع فيه، وأخرى يكون مستندا إلى الكون والفساد، إذ من البديهي أن الموجودات الخارجية لا تبقى بحسب طبعها أزيد من المقدار المتعارف، فإنها بالآخرة تكون فانية حسب طول المدة ومرور الزمان، فهذا لا دليل