كتاب البيع - الشيخ محمد حسن قديري - الصفحة ٢٠
وثانيا: لو فرضنا انطباق اتحاد المصدر والحاصل على المقام، فمع ذلك لا يمكن الأخذ بالاطلاق، فإنهما وإن كانا متحدين بالذات، إلا أنه ما مختلفان بالاعتبار، بمعنى أنهما عنوانان منتزعان من ذات واحدة باعتبارين، وبما أن المسمى هو أحد العنوانين، فلا يمكن الأخذ بإطلاق دليل تنفيذه لرفع الشك عن الآخر، لاستحالة تعلق الحكم المتعلق بعنوان على غيره. مثلا حكم الحلية متعلقة بطبيعة البيع في ﴿أحل الله البيع﴾ (١)، كما أن حكم وجوب الوفاء متعلقة بكل عقد في قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾ (2). والبيع الخارجي معنون بعناوين كثيرة، مثل صادر من زيد في شهر كذا في مكان كذا، وهكذا، فهل يمكن أن يقال: إن الآيتين دالتان على صحة هذا البيع بعنوان أنه معنون بالعناوين المذكورة؟ أو يقال: إنه صحيح، لأنه بيع، أو لأنه عقد. وكذلك الآيتان دالتان على أن البيع بمعناه الواقعي - وهو الحاصل من المصدر - نافذ، وأما أنه بمعناه المصدري فأجنبي عن مفادهما، فالمعتبر هنا هو اختلافهما الاعتباري، ولا عبرة باتحادهما الذاتي (3).

١ - البقرة ٢: ٢٧٥.
٢ - المائدة ٥: 1.
3 - وبما أفاده مد ظله ظهر جواز اجتماع الأمر والنهي مطلقا، فالتفصيل الذي أفاده بعض أعاظم أساتيذنا - وهو الفرق بين العنوانين المتأصلين والانتزاعيين من معنون واحد ومتأصل وانتزاعي من الأول، بالجواز في الأول وعدمه في الأخيرين، بدعوى أن التركيب في الأول انضمامي، بخلاف الأخيرين، فإنه اتحادي لا وجه له. فإن تعدد العنوان وإن لم يستلزم تعدد المعنون، إلا أن العناوين المتعددة قابلة للانطباق على معنون واحد، وسراية الحكم المتعلق بعنوان إلى عنوان آخر غير معقول، فلو لم يكن في الوضوء بالماء المغصوب إجماع على البطلان، فإنا نلتزم بالصحة مع تمشي قصد القربة ولو في صورة العلم والعمد، فضلا عن غيرها. وكذلك لا معنى لتعارض الدليلين بنحو العموم من وجه، إلا أن يعلم من الخارج بكذب أحد الدليلين في المجمع وهذا أمر آخر، فلو ورد دليل بأنه يجب إكرام العالم، وورد دليل آخر بأنه يحرم إكرام الفاسق، فأكرم المكلف عالما فاسقا، امتثل الأول وعصى الثاني بعين ما تقدم. المقرر حفظه الله.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 25 26 ... » »»
الفهرست