أمران غير مرتبط أحدهما بالآخر، والشارع جعل المعاطاة موضوعا للإباحة، كما إذا قال: إذا أفطرت في شهر رمضان فكفر مثلا، فلا يمكن التمسك حينئذ بالآية لاثبات اللزوم، فإن الوفاء بالعقد هو الوفاء بمضمونه، والمفروض أنه لم يقع، والإباحة خارجة عن مضمون العقد، بل هو حكم مترتب على المعاطاة، فلا يمكن التمسك بدليل الوفاء (1) لاثبات ذلك، مع احتمال الامكان بتقريب: أن المراد من الوفاء بالعقد، ترتيب كل ما يكون مترتبا على العقد ولو لم يكن داخلا في مضمونه، كالإباحة في المقام، فافهم.
موازنة بين تقريبات اللزوم ولا بد لنا من ملاحظة منشأ حصول الإباحة المالكية أو الشرعية، لترجيح بعض هذه التقريبات، فمن المعلوم أن القول بإنشاء المالك الإباحة في المعاطاة، مخالف لما هو المشاهد من بناء العقلاء بالعيان في معاملاتهم، فإنهم لا ينشئون إلا التمليك والتملك والمبادلة بين الملكين.
كما أن القول بإنشاء الملك والإباحة معا - مع أنه خلاف الواقع - يكون من قبيل إباحة مال الغير، فإن المنتقل إليه الملك يباح له التصرف في المال، لأنه ملكه وماله، والناس مسلطون على أموالهم، ولا معنى لإباحة ذلك بالعقد أبدا.
وأيضا القول بأن كلا من المتعاطيين راضيان بتصرف الآخر في ماله ساقط، فإن الرضا الحاصل ليس إلا الرضا المعاملي، وأما الرضا بالتصرف مطلقا فلا، بل المتعاطيان غير ملتفتين إليه نوعا، والرضا التقديري - بمعنى أنه لو التفت إلى بطلان المعاملة لكان راضيا - أيضا غير معلوم، بل يختلف باختلاف الموارد، والحكم لا يدور مداره، بل هو دائر مدار الرضا الفعلي.