قال المحقق النائيني:
" إن المجعول في الأمارات... إنما هو نفس صفة المحرزية والوسطية في الإثبات. وبعبارة أخرى:
جعل فرد تشريعي من العلم.
وهذا بخلاف الأصل، فإن المجعول فيه هو الجري العملي مطلقا... " (1).
وبعبارة أخرى: " إن المجعول في باب الطرق والأمارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية في الإثبات، بمعنى: أن الشارع جعل الأمارة محرزة للمؤدى، وطريقا إليه، ومثبتة له... " (2).
" نعم، المجعول في باب الأصول العملية مطلقا هو مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل، إذ ليس في الأصول العملية ما يقتضي الكشف والإحراز، وليست هي طريقا إلى المؤدى، بل إنما تكون وظائف تعبدية للمتحير والشاك، لا تقتضي أزيد من تطبيق العمل على المؤدى " (3).
الرابع - أن الأمارات حاكمة على الأصول، بمعنى أنها رافعة لموضوع الأصول وهو الشك، فإن أصل البراءة من التكليف إنما يجري فيما إذا كان المكلف شاكا في التكليف، لكن إذا ثبت التكليف بأمارة شرعية لم يبق للمكلف شك حتى يجرى في حقه أصل البراءة. قال الشيخ الأنصاري:
" ومما ذكرنا: من تأخر مرتبة الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي - لأجل تقييد موضوعه بالشك في الحكم الواقعي - يظهر لك وجه تقديم الأدلة على الأصول، لأن موضوع الأصول يرتفع بوجود الدليل، فلا معارضة بينهما، لا لعدم اتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل - وهو الشك - بوجود الدليل " (1).
ومقصوده من الأدلة هو الأمارات.
راجع تفصيل ذلك في عنوان " حكومة ".
الخامس - أن مثبتات الأمارات حجة دون مثبتات الأصول، وذلك:
لأن الأمارة إنما تكون محرزة لمؤداها وكاشفة عنه كشفا ناقصا، والشارع قد أكمل جهة نقصها حينما اعتبرها حجة، فصارت كاشفة كالعلم، وبعد انكشاف مؤدى الأمارة يترتب عليه - أي المؤدى - جميع ما له من الخواص والآثار.
وأما الأصول العملية، فلما كان المجعول فيها مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل - من دون لحاظ الإحراز فيها - فهو لا يقتضي أزيد من إثبات نفس المؤدى أو ما يترتب عليه من الحكم الشرعي بلا واسطة عقلية أو عادية، فلا بد من الاقتصار على ما هو المتعبد به، وهو مجرد تطبيق العمل على مؤدى الأصل، أما الأثر الشرعي المترتب على المؤدى بواسطة عقلية أو عادية فهو