فإذا وجد دليل مشروع على الحكم، أخذ به، وإلا فينتهي الأمر إلى المرحلة الثانية، ولا يتوسل بالاستحسانات لاستنباط الحكم الشرعي.
المرحلة الثانية - الأخذ بما يناسب حالة المكلف، من الأصول العملية، وهي الأصول المعدة والمقررة لتشخيص الوظيفة العملية للمكلف عند فقد الدليل الشرعي على التكليف.
وقد امتاز الفقه الإمامي بهذه المرحلية عن غيره، إذ منعته من التورط بالاستحسانات والآراء الشخصية.
لكن لم تكن هذه المرحلية بهذه الدرجة من الوضوح منذ البدء، بل أخذت تتبلور وتتضح شيئا فشيئا، إلى أن ظهرت بشكل دقيق على يد الأستاذ الوحيد البهبهاني ومدرسته، خصوصا صاحب الحاشية على المعالم، ثم تحددت بعده على يد الشيخ الأعظم الأنصاري، فأصبح مفهوم الأصل العملي عبارة عن: وظيفة عملية لا يطلب فيها الفقيه العلم أو الظن بالحكم الشرعي الواقعي، بل يطلب فيها ما هي الوظيفة العملية التي يخرج بها عن عهدة التكليف عند عدم معرفته له.
ونقل الشيخ الأنصاري عن الوحيد البهبهاني: أنه أطلق عنوان " الأدلة الفقاهتية " على الأصول العملية، وعنوان " الأدلة الاجتهادية " على الأمارات، وقال: إن النكتة في ذلك تكمن في تعريف الفقه والاجتهاد، حيث عرف الاجتهاد:
بأنه استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي، وعرف الفقه: بأنه العلم بالحكم الشرعي، والأستاذ الأكبر حمل الحكم الشرعي في تعريف الاجتهاد على الحكم الواقعي، والظن به عبارة عن الأدلة والأمارات الظنية التي تؤدي إليه، من قبيل الظواهر وخبر الواحد، ولهذا أسماها ب " الأدلة الاجتهادية "، وحمل الحكم الشرعي في تعريف الفقه على الحكم الشرعي الظاهري، فأطلق على الأصول العملية اسم " الأدلة الفقاهتية "، لأنها تؤدي إلى العلم بالحكم الشرعي الظاهري.
وبناء على هذه المرحلية صنف الشيخ الأنصاري كتابه " فرائد الأصول "، حيث بدأ بالبحث في موضوع القطع، ثم بالبحث في الظن، ثم في الشك. فالأولان يتكفلان البحث عن الأمارات، وهي الأدلة الاجتهادية التي يلتجئ إليها الفقيه في بدء عملية الاستنباط، مثل الخبر المتواتر، وخبر الواحد، والإجماع، والشهرة، ونحوها.
والأخير يتكفل البحث في الأصول العملية، أي تبيين الوظيفة العملية للمكلف بعد عدم العثور على أمارة تدل على الحكم، وهي الأدلة الفقاهتية، أي البراءة، والاشتغال، والتخيير، والاستصحاب.
وهكذا جرى على نهجه المتأخرون عنه إلى يومنا هذا (1).