والشئ بهذا المعنى يقع موردا للمعاملة في الكليات، ويعتبر مالا أو دينا في ذمة الغير، وإلا فالشئ المقيد بكونه في الذمة المتشخص بها لا وجود له إلا فيها، ولا يقع موردا لها، ولا يعتبر كذلك كما مر، والمقصود أن ثبوت الدين في الذمة لا يعقل إلا على هذا النحو، أي كونها مشتغلة بنفس طبيعة الشئ، وبيعه على من هو عليه أيضا لا يعقل إلا كذلك، وحيث إن الإنسان لا يملك ما في ذمته يسقط دينه بشرائه، إما ابتداء، أو بعد تملكه آنا ما على كلام لسنا بصدد البحث عنه.
والتراد أيضا لا يعقل إلا كونه بهذا النحو أي تعلقه بنفس الطبيعة، مضافا إلى أنه لا يتعلق إلا بما تعلقت به المعاملة وهو كذلك، كما ذكرنا، والمفروض أن نفس الطبيعة غير قابلة للتكثر، بل ما تعلق به التراد هو عين ما تعلق به العقد، وهو عين ما كانت الذمة مشتغلة به، فلا يعقل تخلل العدم فيها، فإنه فرع التكثر كما هو ظاهر.
هذا ما يقتضيه حكم العقل.
وأما حكم العقلاء فأيضا ذلك، أترى أنه لو باع زيد ما كان مالكا في ذمة عمرو كدينار - مثلا - منه، ثم فسخ البيع بخيار ونحوه، أن العقلاء يتوقفون في الحكم بنفوذ الفسخ، وكون زيد مالكا لدينار في ذمة عمرو بعد الفسخ، ويرون أن الدينار الساقط قد انعدم، ولا يعقل رده، لأن إعادة المعدوم مما امتنع؟! والظاهر أن الأمر واضح، لكن الخلط إنما نشأ من التمسك ببعض المطالب العقلية في ما لا بد من أن يؤخذ من العقلاء، ويرجع إليهم لكشف حكمه، وقد ظهر أن العقل والعقلاء متفقان على ما ذكرنا.
هذا، مع أن ما ذكره أخيرا في وجه أن أمر السقوط أعظم من التلف: من أنه لا معنى لاشتغال ذمته بمثل الساقط للغير، فالظاهر أنه من طغيان القلم، فإن المعتبر قبل التراد الملكي ليس اشتغال الذمة للغير (1)، بل لا يعقل ذلك، لأن المفروض أن