وبذلك رفع الحرمان عن النساء والأطفال والضعفاء، وأعطاهم شخصية حقوقية كغيرهم، كما أبطل التوارث بالتبني، لأن الدعي ليس ابنا حقيقة.
التدرج في تشريع الإرث:
لم يستقر الإرث (1) على الأسس المتقدمة إلا بعد اجتياز عدة مراحل في التشريع، فإن المسلمين أقروا - أول أمرهم - على ما كانوا يتوارثون به في الجاهلية، وهو الحلف والنصرة، ويدل عليه قوله تعالى: * (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) * (2) ثم نسخ ذلك (3)، فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة، وقد روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجر يرث الأنصاري وبالعكس، ولم يرث القريب إذا لم يهاجر، ونزل في ذلك قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر...) * (1).
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (... وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا...) * (2) وبآيات الإرث.
ويبدو أن أول ما نزل في ذلك هو قوله تعالى:
* (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * (3).
وسبب النزول - كما قيل -: أن أوس بن ثابت الأنصاري مات وترك زوجة وثلاث بنات، فقام ابنا عمه - وهما وصياه - وأخذا ماله ولم يعطيا زوجته وبناته شيئا - وكانوا كما قلنا لا يورثون النساء ولا الصغار - فشكت زوجته أمرها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعاهما فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا ولا ينكأ عدوا، فنزلت الآية وأثبت لهن الميراث في الجملة، ولم يتبين كيفية التوارث، فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تحدثا في مال أوس شيئا حتى أنظر ما ينزل الله، فإن الله جعل لهن ميراثا ولم يبين كم هو.
وبعد ذلك نزلت الآيات المبينة للإرث: