ومثل قول أبي عبد الله (عليه السلام): " إذا سهوت في الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما " (1)، فإنه إرشاد إلى سببية الشك في عدد الركعات في الركعتين الأوليين لبطلان الصلاة، أو مثل ما ورد من النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه، فإنه إرشاد إلى مانعية أجزاء ما لا يؤكل لحمه عن صحة الصلاة (2)، وغيرها من الأوامر والنواهي الدالة على جزئية شئ لشئ أو شرطيته أو مانعيته.
والفرق بين الأوامر والنواهي الإرشادية والمولوية هو: أن المولوية يترتب على امتثالها الثواب، وعلى عصيانها العقاب - لو كانت إلزامية - بخلاف الإرشادية فإنه لا يترتب على العمل بها ثواب ولا على مخالفتها عقاب، نعم هما يترتبان على امتثال وعصيان الأمر المتعلق بما أرشد إليه، كالأمر بالصلاة مثلا، فإن النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه إرشاد إلى بطلانها، وذلك يعني عدم امتثال الأمر بالصلاة، فاستحقاق العقاب من جهة عدم امتثال الأمر بالصلاة، لا من جهة عدم امتثال النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه.
وقد وردت كلمة " الإرشاد " بهذا المعنى في كلمات الفقهاء والأصوليين كثيرا.
الثاني - ترد مضافة إلى كلمة " الجاهل "، فيقال: إرشاد الجاهل، ويريدون به: هدايته ودلالته إلى ما هو الصواب والصلاح.
والإرشاد بهذا المعنى لم يتطرق له إلا بعض الفقهاء بعناوين أخرى، ك " إعلام " و " تعليم " و " تبليغ "، كما ستأتي الإشارة إليه.
والذي نخصه بالبحث - هنا - هو الثاني، وأما الأول فموطنه الملحق الأصولي في عنواني " أمر " و " نهي ".
النسبة بين إرشاد الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن مورد إرشاد الجاهل هو الجاهل بالحكم الشرعي أو موضوعه - كما سيأتي توضيحه - وأما مورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العالم بالحكم والموضوع، لأن الفقهاء يعدون من شرائط الأمر بالمعروف تنجيز الحكم في حق من يؤمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، والحكم لا يكون منجزا إلا مع العلم بالحكم والموضوع معا.
فالذي لا يعلم أن الخمر حرام، أو يعلم ذلك ولكن لا يعلم أن ما يشربه خمر لا يكون النهي عن شرب الخمر منجزا في حقه، فمثل هذا الشخص لا ينهى عن المنكر، لعدم صدق المنكر على ما يفعله، وذلك بسبب عدم تنجز الحكم - أي: الحرمة - في حقه، بل يرشد إلى ما تعلق جهله به من الحكم أو الموضوع أو كليهما، فيقال له: الخمر حرام، أو هذا خمر.