مختلف المفاهيم بعناوينها الأولية والثانوية، وأحسن تطبيقها والاستفادة منها (1).
والحقيقة: أن تأثير الزمان والمكان، والأحوال إنما هو في تبدل مصاديق هذه المفاهيم " (2).
ثم مثل لذلك بقوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) * (3)، وتطبيقه في كل زمان على ما يلائم ذلك الزمان وينسجم مع شرائطه.
ثانيا - السيرة:
قالوا: " إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما طرأت لهم بعد وفاته حوادث وجدت لهم طوارئ شرعوا لها ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة، وما وقفوا عن التشريع لأن المصلحة ما قام دليل من الشارع على اعتبارها، بل اعتبروا أن ما يجلب النفع أو يدفع الضرر حسبما أدركته عقولهم هو المصلحة، واعتبروه كافيا لأن يبنوا عليه التشريع والأحكام، فأبو بكر جمع القرآن في مجموعة واحدة، وحارب مانعي الزكاة، ودرأ القصاص عن خالد بن الوليد، وعمر أوقع الثلاث بكلمة واحدة، ووقف تنفيذ حد السرقة في عام المجاعة، وقتل الجماعة في الواحد، وعثمان جدد أذانا ثانيا لصلاة الجمعة... الخ ".
قال السيد الحكيم معلقا على هذا الدليل:
" والغريب أن تنزل هذه التصرفات وأمثالها على القياس تارة والاستحسان أخرى والمصالح المرسلة ثالثة، وتعتبر على ألسنة البعض أدلة عليها، وما أدري هل تتسع الواقعة الواحدة لمختلف هذه الأدلة مع تباينها مفهوما، أم ماذا؟ " ثم ناقش الدليل من جهتين: من جهة صغروية، ومن جهة كبروية.
أما من الجهة الصغروية، فلعدم تحقق أصل السيرة، وأن ما حدث كان تصرفات فردية لا غير.
وأما من الجهة الكبروية، فلأن هذه السيرة - على فرض تحققها - لم تكن معللة حتى نعلم وجهها، وما يدرينا أن الباعث على صدورها هو إدراك المصالح من قبلهم؟!
وعلى فرض حجية مثل هذه السيرة فإنما تكون حجة بالنسبة إلى خصوص ما قامت عليه، فلا تشمل كل موارد الاستصلاح حتى تكون دليلا عليه.
على أن هذه التصرفات جار أكثرها على مخالفة النصوص، لأمور اجتهادية لا نعرف اليوم عواملها وبواعثها الحقيقية (1).