الشرعية معرفات للموضوعات، أو حكم ونكات للجعل، لا مؤثرات وعلل واقعية حتى يمتنع اجتماعها على مسبب ومعلول واحد... " (1)، ثم استمر في توضيح ذلك.
الثالث - أنها قد تكون عللا حقيقية، وقد تكون معرفات:
ذهب جملة من المحققين المتأخرين إلى أن الأسباب الشرعية قد تكون عللا حقيقية، مثل حصول الاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج، فإنه متى حصلت الاستطاعة بجميع جهاتها وجب الحج، ومثل الوضوء والغسل والتيمم بالنسبة إلى الطهارة الحاصلة منها، فإنه متى حصلت إحدى الطهارات الثلاث حصلت الطهارة المترتبة عليها، وغيرها من الموارد الكثيرة.
وقد تكون علامات ومعرفات، مثل خفاء الجدران الذي هو علامة وأمارة على قطع المسافة اللازمة لوجوب القصر، وكذا خفاء الأذان، وإلا فنفس خفاء الأذان والجدران ليس علة لوجوب القصر، وإنما العلة هي قطع المسافة المعينة.
وهذا التفصيل موجود في الأمور التكوينية أيضا، فإن طلوع الشمس علة لوجود النهار، لكن ضوء العالم أمارة على طلوع الشمس، وعلامة تدل عليه، وليس علة له (1).
وممن ذهب إلى هذا التفصيل هو:
1 - الفاضل النراقي: حيث قال في العوائد - في بحث تداخل الأسباب -: " وينكشف منه أن الأصل الأولي في جميع الأسباب الشرعية التداخل إلا ما شذ وندر (2) وإن جوزنا كون بعضها مؤثرات حقيقية ومقتضيات بأنفسها، إذ لا يمكن العلم بالعلة الحقيقية غالبا... " (3).
2 - المحقق المراغي: فإنه قال في العناوين:
" لا ريب أن الأحكام الشرعية أيضا ناشئة عن علل حقيقية، ويحتمل أن يكون ما نص عليه الشارع من العلل عللا حقيقية، ويحتمل كونها كاشفة عن علل واقعية، وعلى الثاني يحتمل تعدد الكواشف مع كون العلة في الواقع واحدة، ويحتمل التعدد في العلة أيضا... " (4).
3 - المحقق الخراساني: فإنه قال رادا على فخر المحققين: "... فلا وجه لما عن الفخر وغيره من ابتناء المسألة (5) على أنها معرفات أو مؤثرات، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى " (6).