الحكم - وهو النجاسة - ترتب على " الماء المتغير " وقد زال جزؤه، وهو المتغير، فلم يبق الموضوع، بخلاف ما إذا قال: " الماء يتنجس إذا تغير "، فإن الموضوع فيه هو " الماء " وهو باق بعد زوال التغير فنستصحب نجاسته.
3 - العرف: فكل مورد يصدق فيه أن المشكوك عين المتيقن عرفا، وأن نقض اليقين فيه نقض له بالشك، فيجري فيه الاستصحاب. وإن لم يكن عينه عرفا وصدق نقض اليقين باليقين فلا يجري فيه الاستصحاب. مثال ذلك: حكم العرف ببقاء الزوجية بعد الموت، وببقاء الكرية بعد أخذ شئ قليل - ككف من الماء - ونحو ذلك، فإنه يرى بقاء الموضوع في الموضعين.
ويظهر من أكثر المتأخرين عن الشيخ الأنصاري، أن الميزان في تشخيص بقاء الموضوع عندهم هو الفهم العرفي - على اختلاف بينهم في كيفية تفسير وتوجيه ذلك -، فإذا كان العرف يرى أن الزائل من مقومات الموضوع بحيث يرتفع بزواله، فلا يجري فيه الاستصحاب، وإلا فيجري (1).
4 - اجتماع اليقين والشك في زمان واحد:
بمعنى أن يتصل زمان الشك بزمان اليقين، ولا يتخلل بينهما يقين آخر، سواء كان زمان حدوث اليقين قبل زمان حدوث الشك، كما هو في الاستصحابات المتعارفة، أو كان زمان حدوث الشك متقدما، كما إذا شك في طهارة شئ يوم الخميس، واستمر الشك إلى يوم الجمعة، ثم حصل له يقين يوم الجمعة بطهارته يوم الأربعاء، أو كان زمان حدوث الشك واليقين متقارنا، كما إذا تيقن يوم الجمعة بطهارة ثوبه يوم الخميس، وفي نفس الوقت شك في بقائه على الطهارة إلى يوم الجمعة، بل يشمل حتى ما لو كان اليقين فعليا والشك استقباليا، كما تقدم بيانه في الاستصحاب الاستقبالي.
ففي كل هذه الموارد قد اتصل زمان الشك بزمان اليقين. ولو لم يتصل، لم يكن موردا للاستصحاب، ويرى بعضهم أننا في غنى عن ذلك، لأن مع تخلل يقين آخر يصدق نقض اليقين باليقين لا بالشك، في حين أن مورد الاستصحاب هو عدم نقض اليقين بالشك، لا باليقين (1).