المرحلة الأولى - الأمارات:
هناك عدة أجوبة للسؤال تختلف باختلاف المباني في الأمارات، نشير إلى بعضها:
أولا - جواب المحقق الخراساني:
وحاصله: أن موضوع الاستصحاب - كما يستفاد من أدلته - ليس هو الشك في البقاء الفعلي حتى يتوقف حصوله على اليقين بالثبوت فعلا، بل موضوعه هو البقاء التقديري، أي: البقاء على تقدير الثبوت، وهذا حاصل ولو لم يحصل اليقين بالثبوت، فإذا قامت الأمارة على وجوب الجمعة حال الظهور وشككنا في بقاء الوجوب حال الغيبة نستصحب الوجوب حال الغيبة على تقدير ثبوته حال الظهور، فإذا ألزمتنا الأمارة بوجوبها حال الظهور فتلزمنا - أيضا - بوجوبها حال الغيبة بمعونة الاستصحاب (1).
ثانيا - جواب المحقق النائيني:
وحاصله: أنه لا حاجة إلى ما أجاب به المحقق الخراساني، لأنه إنما التجأ إلى ذلك حيث أنكر قيام الأمارات والأصول مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية، فقال: إن المجعول فيها هو المنجزية إن صادفت الواقع، والمعذرية إن لم تصادف، لا الطريقية والكاشفية، وأما بناء على صحة جعل الأمارات والأصول مقام القطع الطريقي الموضوعي فلم يبق إشكال في البين أصلا، لأن اليقين المأخوذ في أدلة الاستصحاب إنما هو ملحوظ بما هو كاشف وطريق إلى ما تعلق به، لا بما هو صفة قائمة بالنفس، فإذا كان كذلك، فكل ما كان له هذه الخاصية - وهي خاصية الكشف والإراءة - يمكن أن يقوم مقام اليقين، ولما كانت حجية الأمارات من باب كشفها عن الواقع، فيمكن أن تكون كاليقين من هذه الجهة، فتشملها أدلة الاستصحاب.
واختار هذا الجواب السيد الخوئي، وجعله المحقق العراقي أحد الأجوبة، وله أجوبة أخرى عن الإشكال، ولا يؤثر في الجواب كون مبناه في حجية الأمارات تتميم كشفها بسبب جعل الحجية لها من قبل الشارع، وربما يظهر من السيد الحكيم اختيار هذا الجواب أيضا (1).
ثالثا - جواب الإمام الخميني:
وحاصله: أن التعبير الوارد في الروايات وإن كان هو: " عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين " ولكن العرف - بمناسبة الحكم والموضوع - يفهم أن الموضوع في الاستصحاب هو " الحجة " مقابل " اللا حجة "، فلذلك يلحق الظن المعتبر شرعا باليقين، والظن غير المعتبر بالشك، فيكون المقصود من الروايات هو: عدم جواز نقض الحجة بغير