إن إرادة الباري تعالى قد تعلقت بصدور الفعل عن الفاعل عن إرادته المسبوقة ببعض مقدماتها الاختيارية، ولذلك لو لم يصدر الفعل عن اختيار العبد للزم تخلف إرادته - تعالى - عما تعلقت به، وهو صدور الفعل عن الفاعل عن اختيار (1).
لكنه تورط - بعد ذلك - في شبهة لم يكد يتخلص منها، ولا يسعنا - فعلا - التعرض لها.
ثانيا - نظرية المحقق الإصفهاني:
وهي تشبه نظرية أستاذه من حيث المحتوى وإن افترقت عنه من حيث التدليل والتعبير، فإنه قال جوابا عن السؤال الأول: إن الفعل الاختياري ما كان نفس الفعل - فيه - بالإرادة، لا ما كان إرادته بالإرادة، فإن القادر المختار من إذا شاء فعل، لا من إذا شاء شاء، وإلا لم يكن فعل اختياري في العالم، حتى فعله - تعالى عما يقول الظالمون - لأنه لو كانت إرادته تعالى بإرادته، فيلزم زيادة الثانية على الأولى التي هي متحدة مع ذاته تعالى (2).
وحاصل ما أفاده هو: أن الإرادة تتحقق بمجرد تحقق مقدمات الإرادة، ولا تتوقف على إرادة أخرى.
وقال جوابا عن السؤال الثاني: إن وجوب الفعل بالإرادة يؤكد إراديته، ودعوى لزوم بقاء الإرادة على حال بحيث لو شاء فعل، ولو لم يشأ لم يفعل فاسدة، لأن الإرادة ما لم تبلغ حدا يستحيل تخلف المراد عنها لا يمكن وجود الفعل، لأن معناه صدور المعلول بلا علة تامة، وإذا بلغت ذلك الحد امتنع تخلفها عنه، وإلا لزم تخلف المعلول عن علته (1).
وقال جوابا عن السؤال الثالث: إن الفعل لم تتعلق به إرادة الباري بما هو هو، بل به بمبادئه الاختيارية (2).
ثالثا - نظرية المحقق العراقي:
نرى من المناسب أن نذكر نظرية المحقق العراقي كما ذكرها هو من دون تحليلها لاستخراج أجوبة الأسئلة الثلاثة المتقدمة، لأن في كلماته بعض الإبهامات تمنعنا من ذلك، وحاصل ما أفاده هو:
1 - إن من الممكن أن تكون صفة الاختيار من لوازم وجود الإنسان، بحيث لا يحتاج في جعله إلى أزيد من جعل الإنسان نفسه - كالحرارة بالنسبة إلى النار - بخلاف العلم والقدرة، فإنهما غير مجعولين فيه بنفس جعله، بل هما بحاجة إلى جعل آخر مستقل.
2 - إن صفة الاختيار تغاير صفة الإرادة، بل يمكن أن نعد الاختيار من مبادئ الإرادة، فتكون للعمل الصادر عن إرادة، مبادئ متعددة، منها:
كونه مما تعلق به الاختيار.