أولا - الشافعية:
وردت نصوص عديدة عن الإمام الشافعي حول عدم اعتبار الاستحسان، ويظهر منها أنه كان من المتشددين عليه. فمن تلك النصوص هو قوله:
" إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس: استحسن، فلا بد أن يزعم أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه، فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشئ الواحد بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم، فحكموا حيث شاؤوا، وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه " (1).
وقال: " إن حراما على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر " (2).
وناقش الغزالي - وهو من الشافعية - أدلة المثبتين، وقد تقدم بعضها، ومن جملة ما ناقش به الاستحسان بناء على أنه: " دليل ينقدح في نفس المجتهد لا تساعد العبارة عنه، ولا يقدر على إبرازه وإظهاره " هو قوله:
" هذا هوس، لأن ما لا يقدر على التعبير عنه لا يدرى أنه وهم وخيال أو تحقيق؟ ولا بد من ظهوره ليعتبر بأدلة الشريعة لتصحيحه الأدلة أو تزييفه، أما الحكم بما لا يدرى ما هو فمن أين يعلم جوازه، أبضرورة العقل، أو نظره، أو بسمع متواتر، أو آحاد؟ ولا وجه لدعوى شئ من ذلك، كيف؟
وقد قال أبو حنيفة: إذا شهد أربعة على زنا شخص، لكن عين كل واحد منهم زاوية من زوايا البيت، وقال: زنى فيها، فالقياس أن لا حد عليه، لكنا نستحسن حده، فيقال له: لم يستحسن سفك دم مسلم من غير حجة إذا لم تجتمع شهادة الأربعة على زنا واحد؟ وغايته أن يقول: تكذيب المسلمين قبيح، وتصديقهم وهم عدول حسن، فنصدقهم، ونقدر دورانه في زنية واحدة على جميع الزوايا، بخلاف ما لو شهدوا في أربع بيوت، فإن تقدير التزاحف بعيد، وهذا هوس... " (1).
ثانيا - الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهري: " ومن المحال أن يكون الحق فيما استحسنا دون برهان، لأنه لو كان ذلك لكان الله تعالى يكلفنا ما لا نطيق، ولبطلت الحقائق ولتضادت الدلائل، وتعارضت البراهين، ولكان تعالى يأمرنا بالاختلاف الذي قد نهانا عنه، وهذا محال، لأنه لا يجوز أصلا أن يتفق استحسان العلماء كلهم على قول واحد... ونحن نجد الحنفيين قد استحسنوا ما استقبحه المالكيون، ونجد المالكيين قد استحسنوا قولا قد استقبحه الحنفيون، فبطل أن يكون الحق في دين الله عز وجل مردودا إلى استحسان بعض الناس، وإنما كان يكون هذا - وأعوذ بالله - لو كان الدين ناقصا، فأما وهو تام