لكن أقصى ما يدل عليه هذا الدليل هو حصول الظن - النوعي أو الشخصي - بالبقاء في مورد الاستصحاب - وإن نوقش في حصوله - فلا بد من إثبات حجية مثل هذا الظن شرعا، ولا دليل عليه (1).
ويبدو أن هذا الدليل كان مستند المتقدمين في حجية الاستصحاب، فلذلك ذهب بعضهم إلى عدم حجيته، لعدم تمامية الدليل.
ثانيا - السيرة العقلائية:
والاستدلال بها يتقوم بمقدمتين:
الأولى - أنه لا شك في أن العقلاء من الناس - على اختلاف مذاهبهم وأذواقهم - جرت سيرتهم في عملهم، وتبانوا في سلوكهم العملي على الأخذ بالمتيقن السابق عند الشك في بقائه، وعلى ذلك قامت الحياة الاجتماعية، ولولاه لاختل النظام الاجتماعي.
الثانية - لما كان الشارع من العقلاء، بل رئيسهم، ولم يظهر منه ردع لهذه السيرة، فيحصل الاطمئنان برضائه بالعمل وفقها، وهو يعني حجية الاستصحاب.
وممن ارتضى هذا الدليل الشيخ الأنصاري والمحقق النائيني، وأكده الأخير حيث نقل عنه السيد الخوئي قوله: " بأن عملهم على طبق الحالة السابقة هو بإلهام إلهي حفظا للنظام "، وقد نقل الشيخ الأنصاري شبه هذا الكلام عن بعض الأجلاء أيضا.
هذا، ولكن ناقش بعضهم في المقدمتين، فنفى أن تكون السيرة قائمة من حيث التعبد ببقاء الحالة السابقة، بل من حيث جهات أخر، كحصول الاطمئنان بالبقاء بالقرائن الحافة، أو برجاء البقاء، أو احتياطا، أو غفلة عن البقاء وعدمه. كما نفى أن تكون هذه السيرة - على فرض قيامها - غير مردوعة من قبل الشارع، فإنها يمكن أن تكون مردوعة بالآيات الناهية عن العمل بالظن.
وقد أجاب بعضهم عن هذه المناقشات بما يطول شرحه (1).
ثالثا - الاستقراء:
وحاصله: أنا إذا تتبعنا موارد الشك في بقاء الحكم السابق من أول الفقه إلى آخره، لم نجد موردا إلا وحكم الشارع فيه بالبقاء إلا مع أمارة توجب الظن بالخلاف، فلا يحكم بالبقاء حينئذ.
اعتمد على هذا الدليل، الوحيد البهبهاني،