الثاني: ما ذهب إليه السيد الصدر نفسه وهو: التفصيل بين ما إذا كانت قيود الموضوع مأخوذة في عرض واحد، وبين ما إذا كان بعضها مأخوذا في موضوع البعض الآخر، فلا يجري الاستصحاب في الأول ويجري في الثاني.
مثال الأول، ما إذا قيل: " العنب إذا غلى حرم "، أو قيل: " العنب يحرم المغلي منه ".
ومثال الثاني، ما إذا قيل: " العنب المغلي حرام " (1).
حجة القائلين بجريان الاستصحاب:
استدل الشيخ الأنصاري على صحة الاستصحاب بدليلين:
الأول - أن المعتبر في الاستصحاب هو تحقق المستصحب سابقا، والشك في ارتفاع ذلك المحقق، ومن المعلوم أن تحقق كل شئ بحسبه. فإذا قيل:
" العنب يحرم ماؤه إذا غلى "، فهناك لازم، وملزوم، وملازمة، أما الملازمة، وهي سببية الغليان لتحريم ماء العصير، فهي متحققة بالفعل وليس فيها أي تعليق. وأما اللازم وهي الحرمة، فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم وهذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه أيضا. وحينئذ فإذا شككنا في أن وصف العنبية له دخل في تأثير الغليان في حرمة ماء العنب بحيث لا يكون للغليان أثر في التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا، فنستصحب الحرمة على تقدير الغليان، فيثبت أن الزبيب يحرم ماؤه إذا غلى (1).
الثاني - تقدم أن سببية الغليان لحرمة ماء العنب أمر متحقق بالفعل وليس تقديريا، فإذا شككنا في بقاء هذه السببية بعد صيرورة العنب زبيبا نستصحب بقاءها، فتثبت سببية الغليان لحرمة ماء الزبيب أيضا (2).
لكن من المعلوم أن هذا الاستصحاب استصحاب تنجيزي وليس من الاستصحاب التعليقي، مضافا إلى أن السببية أمر عقلي غير قابل للجعل على بعض الآراء، فلم يكن قابلا للتعبد به شرعا حينئذ، فمع ذلك كيف يجري فيه الاستصحاب؟
حجة القائلين بعدم الجريان:
وهي ما أورده منكرو حجية هذا الاستصحاب على القول بحجيته، وأهمها هي:
أولا - إن القضية الشرطية " العصير العنبي إذا غلى يحرم " لها ثبوتان حقيقيان تشريعا، وهما:
1 - الثبوت في مرحلة الجعل والتشريع، أي حينما يصدر الشارع هذا الحكم ويصير قانونا كليا.
وهذا الثبوت مستمر لا نشك في ارتفاعه إلا إذا شككنا في نسخه، وهو غير منظور فيما نحن فيه.
2 - الثبوت في مرحلة المجعول، أي: التحقق