" وهذا كلام جيد لكنه عند التحقيق رجوع عما اختاره أولا... " (1)، ويقصد بما اختار: القول بالحجية.
وهذا المعنى نفسه موجود في كلام السيد المرتضى، فإنه قال: " لا بد من اعتبار الدليل الدال على ثبوت الحكم في الحالة الأولى وكيفية إثباته، وهل أثبت ذلك في حالة واحدة، أو على سبيل الاستمرار " (2).
وهو موجود في كلام صاحب المدارك أيضا، حيث قال: " والحق أن الاستصحاب ليس بحجة إلا فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه... " (3).
وتعليلهم للحجية حينئذ هو: أن الحكم يكون طبقا للدليل الدال على الحكم السابق، وليس من دون دليل.
السادس - التفصيل بين ما لو ثبت الحكم في المستصحب بدليل عقلي، وما لو ثبت بدليل شرعي:
فإن ثبت بدليل عقلي وتوصلنا إلى الحكم الشرعي فيه بقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع فلا يجري فيه الاستصحاب، وأما لو ثبت بدليل شرعي خالص فيجري فيه.
اختار هذا التفصيل الشيخ الأنصاري (4) أيضا، وقال: إنه لم يجد من فصل كذلك، وعلى هذا فيكون له تفصيلان في المسألة.
ونسب إلى السيد الخوئي موافقته له في الجملة (1).
هذا، وذكر الشيخ الأنصاري تفصيلات أخرى عن المحققين الخوانساري والسبزواري يطول التعرض لها.
أدلة الاستصحاب:
استدلوا على حجية الاستصحاب بأدلة مختلفة، وجرى البحث فيها وما يرد عليها من المناقشات والجواب عنها، وبما أننا لا يسعنا التعرض لها كلها، فلذلك نكتفي بذكر أصل الأدلة تاركين التفصيل إلى الكتب المطولة. والأدلة كالآتي:
أولا - العقل:
وقرره المظفر كما يلي:
المقصود منه هو حكم العقل النظري لا العملي، فهو يحكم بالملازمة بين العلم بثبوت الشئ في الزمان السابق، وبين رجحان بقائه في الزمان اللاحق عند الشك في بقائه، فإذا علم الإنسان بثبوت شئ في زمان ثم طرأ ما يزلزل العلم ببقائه في الزمان اللاحق، فإن العقل يحكم برجحان بقائه، وبأنه مظنون البقاء.