والسبب الذي دعا بعضهم للتشكيك هو:
أن الاستحالة تؤدي إلى تغير الموضوع، فيصير الكلب ملحا - مثلا -، والموضوع الجديد يتبع حكمه - وهو الطهارة هنا - ولا يجري فيه استصحاب النجاسة الثابتة للكلب، لانعدام الموضوع وتبدله، فإن الموجود هو الملح لا الكلب.
وهذا واضح في الأعيان النجسة. وأما المتنجسات، فلما كان الموضوع فيها: الشئ المتنجس، فيكون عنوان " الشئ " باقيا بعد الاستحالة أيضا، فيجري في حقه استصحاب النجاسة، فالخشب المتنجس شئ متنجس، وهذا العنوان باق بعد صيرورته رمادا، فيقال له: شئ أيضا، فيجري فيه استصحاب النجاسة، فيثبت أنه شئ متنجس.
وقد أجيب عن الشبهة بما حاصله:
أن الميزان لجريان الاستصحاب هو بقاء الموضوع، أو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة، والمشخص لهذه الوحدة هو العرف، فكلما شخص العرف بقاء الموضوع يجري فيه الاستصحاب وإلا فلا، وهو لا يرى فرقا من هذه الناحية بين الأعيان النجسة والمتنجسة، فيرى أن الموضوع يتبدل فيهما، فكما أن الملح غير الكلب، فكذا رماد الخشب المتنجس غير الخشب نفسه، فلا يصح استصحاب النجاسة المترتبة على الخشب لإثباتها للرماد، لأنه موضوع آخر، وهذا بخلاف مثل القطن إذا نسج فصار ثوبا، أو الحنطة إذا طحنت فصارت دقيقا، فإن العرف لا يرى تعددا بينهما، فلذلك يجري الاستصحاب في مثل هذه الموارد.
ويؤيد ذلك ما جرت عليه سيرة المتدينين من عدم اجتنابهم الحيوانات الطاهرة، إذا أكلت أو شربت شيئا متنجسا (1).
هذا وقد جعل صاحب المعالم الاستحالة مطهرة في المتنجسات بطريق أولى كما تقدم.
حكم الشك في الاستحالة:
لم يتعرض أكثر الفقهاء لحالة الشك في الاستحالة، نعم تعرض لها السيد اليزدي وعلق على الموضوع السيدان الحكيم والخوئي، ولكل منهم رأي خاص نشير إليه فيما يلي:
أولا - رأي السيد اليزدي: قال السيد اليزدي: "... ومع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة " (2)، ولعل وجهه - كما قال السيد الحكيم - الشك في تحقق المطهر، وهو الاستحالة فيوجب الرجوع إلى أصالة عدم تحققه، وهو يوافق أصالة بقاء النجاسة.