بالضرورة كونها مقصود الشرع لا بدليل واحد وأصل معين، بل بأدلة خارجة عن الحصر. لكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين، وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف: إنها ضرورية، قطعية، كلية.
وليس في معناها ما لو تترس الكفار في قلعة بمسلم، إذ لا ضرورة، فبنا غنية عن القلعة، فنعدل عنها إذ لم نقطع بظفرنا بها، لأنها ليست قطعية، بل ظنية " (1).
أدلة المثبتين للحجية:
استدل المثبتون لحجية الاستصلاح بالعقل والسيرة.
أولا - العقل:
1 - " إن الأحكام الشرعية إنما شرعت لتحقيق مصالح العباد، وإن هذه المصالح التي بنيت عليها أحكام الشريعة معقولة، أي مما يدرك العقل حسنها، كما أنه يدرك قبح ما نهي عنه، فإذا حدثت واقعة لا نص فيها، وبنى المجتهد حكمه فيها على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر، كان حكمه على أساس صحيح معتبر من الشارع، ولذلك لم يفتح باب الاستصلاح إلا في المعاملات ونحوها مما تعقل معاني أحكامها، فلا تشريع فيها بالاستصلاح ".
قال السيد محمد تقي الحكيم معلقا على هذا الدليل:
" وهذا الاستدلال لا يتم إلا على مبنى من يؤمن بالتحسين والتقبيح العقليين... وقد سبق أن قلنا: إن العقل قابل للإدراك، ولو أدرك على سبيل الجزم كان حجة قطعا، لكشفه عن حكم الشارع، ولكن الإشكال، كل الإشكال، في جزمه بذلك " (1).
2 - " إن الوقائع تحدث والحوادث تتجدد، فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح ضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد، وقصرت عن حاجاتهم، ولم تصلح لمسايرة مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال مع أنها الشريعة العامة لكافة الناس، وخاتمة الشرائع السماوية كلها ".
وعلق عليه السيد الحكيم قائلا:
" إن أحكام الشريعة بمفاهيمها الكلية لا تضيق عن مصالح العباد، ولا تقصر عن حاجاتهم، وهي بذلك مسايرة لمختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال، وبخاصة إذا لوحظت