ثم نقل عنه أنه قال: " وشاورني بعض القضاة في قطع أنملة شاهد، والغرض منعه عن الكتابة بسبب قطعها. وكل هذا منكرات عظيمة الموقع في الدين واسترسال قبيح في أذى المسلمين " (1).
موقف الإمامية من الاستصلاح:
يمكن تلخيص نظرية الإمامية حول الاستصلاح مما ذكره السيد محمد تقي الحكيم، فإن ما قاله مأخوذ من الأصول والقواعد المسلم بها عند الأصوليين من الإمامية، وإن لم يتعرض أغلبهم لموضوع الاستصلاح.
قال السيد الحكيم ما خلاصته:
إن كانت المصلحة مستفادة من النصوص والقواعد العامة، بحيث تكون من صغرياتها - كما يظهر ذلك من بعض التعاريف والكلمات - فتكون هذه المصلحة مستفادة من السنة، ومصداقا من مصاديقها، فلا وجه لعدها في مقابل السنة.
وإن كانت يدركها العقل - كما هو ظاهر بعض التعاريف والكلمات الأخر - فإن كان إدراك العقل لها كاملا - إدراكا للمصلحة بجميع ما يتعلق في عوالم تأثيرها في مقام جعل الحكم لها من قبل الشارع - فهي حجة، إذ ليس وراء القطع مجال لتساؤل أو استفهام.
ثم ذكر كلام المحقق القمي - الذي قدمناه سابقا - ثم قال:
ولكن القول بحجيتها هنا لا يجعلها دليلا مستقلا في مقابل العقل. ثم قال:
" وإن لم يكن إدراكه لها كاملا بأن كان قد أدرك المصلحة، واحتمل وجود مزاحم لها يمنع من جعل الحكم، أو احتمل أنها فاقدة لبعض شرائط الجعل - كما هو الغالب فيها، بل لا يتوفر الإدراك الكامل إلا في حالات نادرة، وهي التي تكون المصلحة ذاتية، كما سبق - فإن القول بحجيتها - أعني هذا النوع من المصالح المرسلة - مما يحتاج إلى دليل، وليس لدينا من الأدلة ما يصلح لإثبات ذلك. لما قلناه: من أن الإدراك الناقص - وهو الذي لا يشكل الرؤية الكاملة - ليست حجيته ذاتية، بل هي محتاجة إلى الجعل، والأدلة غير وافية بإثباته.
والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها، لتقومها بالعلم.
وبهذا يتضح أن الشيعة لا يقولون بالمصالح المرسلة إلا ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم، كما هو مقتضى مبناهم الذي عرضناه في دليل العقل، وما عداه فهو ليس بحجة " (1).
أقول: وإذا حصل الجزم بالمصلحة عقلا فلا تكون مرسلة، لأنها معتبرة حينئذ شرعا بحكم الملازمة.