ثالثا - تحقق الارتكاز في الأمور النظرية والعملية:
المفهوم المرتكز في الأذهان قد يكون مفهوما نظريا صرفا، مثل ارتكاز أن الاثنين أكثر من الواحد، وقد يكون مفهوما نظريا يبتني عليه العمل، مثل ارتكاز حجية قول الثقة وإخباره عند عقلاء العالم، فإنهم يبنون حياتهم المعيشية وأعمالهم على هذا الأصل المرتكز في أذهانهم. ومثل ارتكاز حرمة الكعبة والقرآن عند المسلمين، فإنهم يعملون طبقا لهذا الارتكاز، ويلومون أشد اللوم من يهتك حرمتهما ولم يحفظها.
والذي نستخلصه مما تقدم هو: أن الارتكاز عبارة عن رسوخ بعض المفاهيم في ذهن الناس، وتارة تقوم على وفقه سيرة عملية وتارة لا تقوم - لأنها مفاهيم نظرية - ومنشأ الارتكاز تارة يكون الفطرة والغريزة، وتارة القدرة التشريعية.
لكن الذي يعده الأصوليون من جملة الأدلة - إجمالا - هو الارتكاز الذي قامت طبقها سيرة عملية، فيكون الارتكاز رصيدا فكريا للسيرة العملية.
هذا ما يستفاد من كلمات الفقهاء والأصوليين في موارد استعمالاتهم لهذا الاصطلاح.
لكن يظهر من الشهيد الصدر أن الارتكاز هو الرصيد الفكري سواء وجدت على وفقه سيرة عملية أو لا، قال بالنسبة إلى السيرة العقلائية:
" ونقصد بها ما هو أعم من السلوك الخارجي، فهي تشمل أيضا المرتكزات العقلائية، وإن لم يصدر منهم بالفعل سلوك خارجي على طبقها لعدم تحقق موضوعها بعد " (1).
ويقابله السيد محمد تقي الحكيم حيث قال بالنسبة إلى ارتكاز المتشرعة: "... والظاهر أنهم يريدون به بالإضافة إلى توفر السيرة على الفعل أو الترك بالنسبة إلى شئ ما، شعور معمق بنوع الحكم الذي يصدر عن فعله أو تركه المتشرعون لا يعلم مصدره على التحقيق " (2).
أقسام الارتكاز:
ينقسم الارتكاز - بحسب من يتحقق فيهم - إلى ثلاثة أقسام:
1 - ارتكاز العقلاء:
وذلك إذا كان من تحقق فيهم الارتكاز هم العقلاء بما هم عقلاء، مع غض النظر عن دينهم كارتكاز قبول خبر الثقة عندهم.
2 - ارتكاز المسلمين:
ويتحقق ذلك فيما إذا كان المرتكز عندهم، هم المسلمون بما هم مسلمون مع غض النظر عن مذاهبهم الخاصة بهم، كارتكاز لزوم استقبال القبلة عند الصلاة عندهم، فهذا الارتكاز موجود مع غض النظر عن الأدلة القائمة على ذلك، وكارتكاز حرمة هتك القرآن والكعبة، كما تقدم.