لتساهلوا في حفظ ما بأيديهم من متاع الناس (1).
الأقوال في الاستحسان:
اختلفوا في حجية الاستحسان على قولين:
يتضمن أحدهما نفي الحجية عنه، والآخر إثباتها له.
فالمثبتون هم: الحنفية، والمالكية، والحنابلة.
وهم مختلفون فيه من حيث التمسك به شدة وضعفا، وقد اهتم به الحنفية، واعتبره مالك تسعة أعشار العلم (2).
والنافون هم: الشافعية، وقد اشتهر عن الشافعي كلمته المعروفة فيه: " من استحسن فقد شرع " (3).
والمعروف عن الشيعة والزيدية والظاهرية أنهم من النفاة أيضا (4).
حجة المثبتين للاستحسان:
استدل القائلون بالحجية بالأدلة التالية:
أولا - من الكتاب:
وأهم ما استدلوا به من الكتاب هو:
1 - قوله تعالى: * (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) * (1).
2 - قوله تعالى: * (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) * (2).
بتقريب أنه تعالى مدحهم على اتباع أحسن ما يستمعونه من القول في الآية الأولى، وألزمهم باتباع أحسن ما أنزل إليهم من ربهم في الآية الثانية، والمدح والإلزام أمارة جعل الحجية له.
ويرد على الاستدلال بهاتين الآيتين ونظائرهما:
1 - إن هذه الآيات استعملت كلمة " الأحسن " في مفهومه اللغوي، وهو أجنبي عما ذكروا له من المعاني الاصطلاحية، ولو سلم فعلى أيها ينزل ليصلح للدليلية عليه، وحمله على بعضها دون بعض مصادرة واضحة.
نعم، إنها تكون دليلا لمن قال: الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين.
2 - إن الآية الأولى وإن مدحت هؤلاء المستمعين على اتباع أحسن الأقوال، إلا أنها افترضت أن هناك أقوالا بعضها أحسن من بعض، وترجيح بعض الأقوال على بعض إذا كانت صادرة من الشارع إنما هو من شؤون الكتاب والسنة، وهو يرجع في واقعه إلى الترجيح في بابي التعارض