وأما الأصوليون والفقهاء، فتارة يريدون بالقدرة القدرة العقلية، وتارة القدرة الشرعية.
ومرادهم من القدرة العقلية: قدرة المكلف تكوينا على إتيان الفعل المأمور به. ويقولون: إن التكاليف مشروطة - عقلا - بالقدرة على إتيان متعلقاتها، إما من جهة قبح تكليف الإنسان بما لا يطيقه، أو من جهة أن نفس الخطاب والتكليف بشئ يقتضي القدرة عليه.
ومرادهم من القدرة الشرعية: قدرة المكلف على إتيان المكلف به مع جميع قيوده وشروطه المأخوذة فيه شرعا بنفس الخطاب أو بخطاب آخر.
فالتكليف بالوضوء - في الآية الشريفة (1) - مقيد عقلا بالقدرة على تحصيل الماء، لكن وردت شروط - ضمن خطابات شرعية أخر - للماء الذي يتوضأ به، مثل: طهارته، وإباحته، وإطلاقه، ونحوها. ولذلك لو وجد الماء لكن لم يتصف بالصفات المطلوبة شرعا، فالقدرة العقلية متحققة، لكن القدرة الشرعية غير متحققة (1).
وأغلب ما استعملت " الاستطاعة " بمعنى القدرة الشرعية في خصوص الحج، وأما في غيره فالمتداول استعمال " القدرة " بدل " الاستطاعة "، ولذلك نكتفي - هنا - ببيان أحكام الاستطاعة في خصوص الحج، ونترك الكلام في غيره إلى عنوان " قدرة ".
الأحكام:
لا إشكال في اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (2)، وللسنة المتواترة، ولإجماع المسلمين كما قال صاحب الجواهر (3)، وقال السيد اليزدي - عند عد شرائط وجوب الحج -:
" الثالث - الاستطاعة من حيث المال، وصحة البدن وقوته، وتخلية السرب وسلامته، وسعة الوقت، وكفايته، بالإجماع والكتاب