وأما الطلب، فهو من الأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان بالإرادة والاختيار، وهو عبارة عن التصدي لتحصيل شئ في الخارج، ومن هنا لا يقال: طالب الضالة، أو طالب العلم إلا لمن تصدى خارجا لتحصيلهما، وأما من اشتاق إليهما وأرادهما فحسب، فلا يصدق عليه أنه طالب لهما.
وبعبارة موجزة: إن الطلب عنوان للفعل - سواء كان فعلا نفسانيا أو خارجيا - فلا يصدق على مجرد الشوق والإرادة النفسانية (1).
هذا بالنسبة إلى اتحاد الطلب والإرادة وعدمه. وأما بالنسبة إلى وجود صفة أخرى غير العلم والإرادة باسم الكلام النفسي أو الطلب فقد ذكر أدلة الأشاعرة وناقشها، وحاصل ما أفاده هو:
1 - إن التكلم من الصفات الفعلية دون الصفات الذاتية، وذلك لوجود ملاك الصفات الفعلية فيه، حيث يصح أن يقال: إنه تعالى كلم موسى ولم يكلم غيره، بخلاف العلم، فإنه صفة ذاتية حيث لا يصح أن يقال: إنه ليس عالما بالشئ الفلاني.
وإذا كان التكلم من صفات الفعل فهو حادث ولم يكن قديما كما ادعته الأشاعرة.
2 - إن ما يتصوره المتكلم قبل التكلم لا ينحصر بالتكلم، بل جار في كل فعل، فإن كل فعل اختياري مسبوق بالتصور، فهل يطلق عليه الأشاعرة الفعل النفسي؟
نعم، هو نوع من العلم، لأنه تصور للكلام الملفوظ.
وأمور أخرى يطول ذكرها (1).
محاولة الصلح بين المتنازعين:
حاول المحقق الخراساني إيقاع الصلح بين المتنازعين في وحدة الطلب والإرادة وتعددهما، وتتركز عملية المصالحة بفرض معنيين لكل من الطلب والإرادة: معنى حقيقي، ومعنى إنشائي، فالحقيقي ما يتحقق في أفق النفس، والإنشائي ما يظهر بصورة الإنشاء والطلب اللفظي. وقال: إن المعنى الحقيقي لكل من الطلب والإرادة أمر واحد، فهما متحدان واقعا، كما أن المعنى الإنشائي لهما واحد أيضا، نعم هناك اختلاف بين الإرادة الحقيقية، والطلب الإنشائي كما تقدم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الإرادة عندما تطلق تنصرف غالبا إلى الإرادة الحقيقية لا الإنشائية، خلافا للطلب، فإنه عندما يطلق ينصرف إلى الإنشائي.
وعلى هذا الأساس، فمن قال بتعدد الإرادة والطلب قصد بذلك تعددهما من حيث الإنشاء والواقع، فحمل الطلب على الإنشائي منه، والإرادة على الحقيقي منها، ومن المعلوم أنهما متعددان.