بقرينة ذكر الافتراق بالأبدان والتقابض في الذيل والتراضي وغيره في الصدر، يعلم أن المراد من الانعقاد هو الانعقاد على وجه اللزوم، وحيث إنه (قدس سره) في مقام بيان جميع ما يشترط في عقد البيع، يعلم عدم اعتبار اللفظ عنده، لا في الوقوع، ولا في اللزوم، ومن ذلك يعلم عدم تحقق الاجماع على اعتبار اللفظ، لا في اللزوم، ولا في الوقوع في زمان المفيد (رحمه الله)، وإلا لم يفت هو (قدس سره) على خلاف الاجماع.
قال الشيخ (رحمه الله) في الخلاف: إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب، فقال:
أعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه، فإنه لا يكون بيعا، وكذلك في سائر المحقرات، وإنما يكون إباحة له، فيتصرف كل منهما فيما أخذ تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه، وفائدة ذلك أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، وأراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته، كان لهما ذلك، لأن الملك لم يحصل لهما، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يوجد الايجاب والقبول، وقال ذلك في المحقرات دون غيرها.
دليلنا: أن العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا، فيجب أن لا يثبت، وأما الإباحة بذلك فهو مجمع عليه، لا يختلف العلماء فيها (1). انتهى.
ظاهر هذا الكلام هو الاحتمال الرابع، ويفهم مما ذكره من تعليل الفائدة بجملة لأن الملك لم يحصل لهما، أنه لو كان الملك حاصلا لما جاز الاسترجاع، وقد استدل على الفساد بعدم الدليل على الصحة، وحيث إنا استدللنا عليها فالملك حاصل بنظرنا، فهو لا يخالفنا في البناء على اللزوم، ومن هنا يعلم عدم تحقق الاجماع على الجواز في زمان الشيخ، وإلا لم يخالف الاجماع.
وأيضا ذكر في أول الخلاف أنه لو كانت المسألة التي يذكرها في هذا الكتاب إجماعية يستدل لها بالاجماع (2).