حجيتها تكون كاشفة عن الواقع، فهي كالعلم من هذه الجهة، إلا أن كاشفية العلم تامة، لكن كاشفية الأمارة ناقصة، فيتمم الشارع كاشفيتها بجعل الحجية لها، بخلاف الأصول، فإنها لم تكن كاشفة عن الواقع، فليس فيها جهة الكاشفية حتى بالمقدار الناقص إلا في الأصول المحرزة كما سوف نشير إليه (1).
وهناك فوارق أخرى يرجع فيها إلى العنوانين: " أصل " و " أمارة ".
وبعد بيان هذه المقدمة نقول:
اختلف الأصوليون في أن الاستصحاب هل هو أصل أو أمارة؟ ويبدو من الشيخ الأنصاري أن ظاهر أكثر المتقدمين عليه حتى زمان صاحب المعالم أنه أمارة عندهم، وأما هو فقد اختار كونه أصلا، وبذلك صار قدوة لمن بعده.
وقد جعل المعيار في كون الاستصحاب أمارة أو أصلا، كيفية الاستدلال عليه، فإن استدل عليه بالعقل وكان حجة من باب إفادته الظن، كان دليلا ظنيا اجتهاديا كالقياس والاستقراء - بناء على القول بحجيتهما - وإن استدل عليه بالأخبار واستفيد منها حكم ظاهري ثابت للشئ بوصف كونه مشكوك الحكم، كالبراءة والاشتغال والتخيير كان أصلا.
ولما كان الأكثر من زمن السيد المرتضى حتى زمن صاحب المعالم لم يتمسكوا في حجيته بالأخبار، فهو أمارة عندهم. نعم، تمسك بها بعضهم، كوالد الشيخ البهائي، وابن إدريس الحلي، على احتمال.
وأما المتأخرون عنهم فلما كان عمدة الأدلة على الاستصحاب عندهم هي الأخبار، واستفيد منها حكم ظاهري ثابت للشئ بوصف كونه مشكوك الحكم، وهو التعبد ببقاء ما كان، والجري والعمل طبقه، وعدم جواز نقضه، فيكون عندهم من الأصول.
هذا بناء على ما ذكره الشيخ من المعيار لكون الاستصحاب أصلا أو أمارة، وكذا بناء على المعايير الأخرى التي ذكرها غيره وذكرنا بعضها، فيكون الاستصحاب أصلا، لأنه:
أولا - لم تلاحظ في دليله الطريقية والكاشفية وإن كانت موجودة إلى حد ما، والأخبار لم تجعل حجيته من حيث كاشفيته - كما في خبر الثقة - ليكون أمارة، بل من باب التعبد بالبقاء - كما تقدم - ولعل هذا صار سببا للتعبير عن الاستصحاب بكونه " أصلا إحرازيا "، وتقديمه على سائر الأصول، وذلك لوجود نوع كشف وإحراز فيه وإن لم يلحظ في لسان الدليل.
ولعل هذا الجانب جعل السيد الخوئي يميل إلى كونه من الأمارات، وإن كانت الأمارات الأخر تتقدم عليه، فإن الأمارات قد يتقدم بعضها على بعض.