والذي يلاحظ - بادئ ذي بدأ - ان هذه التعاريف ليس فيها ما يدعو إلى جعل الاستحسان دليلا له استقلاله الذاتي في مقابل بقية الأدلة، إذ أن قسما منها يمكن إرجاعه إلى الكتاب والسنة، وقسما منها إلى القياس، وثالثا إلى حكم العقل، ورابعا إلى المصالح المرسلة - لو صح أنها من الأدلة المستقلة وسيتضح الحال فيها -، فلا وجه - فيما يبدو - لعده من الأدلة المستقلة في عرضها.
حجيته ومناشئ الخلاف فيها: وقد اختلفوا في حجيته وعدمها على قولين يتضمن أحدهما نفي الحجية وقد تبناه الشافعي وأرسل كلمته المعروفة فيه (من استحسن فقد شرع (1)).
ويتضمن الثاني إثبات الحجية له وإضفاء الأهمية الواسعة عليه، وقد تبناه مالك، وأرسل فيه قوله المعروف: (الاستحسان تسعة أعشار العلم (2)).
والمعروف عن الشيعة والظاهرية أنهم من النفاة.
وتحقيق الحال في صحة النسبة وعدمها وبيان مناشئ الخلاف فيه، يقتضينا ان نعود إلى تلكم التعاريف، ونلقي بعض الأضواء عليها.
ولعلنا نعود من نتائج الحديث ببعض الثمرات التي تعود في واقعها إلى تضييق شقة الخلاف وإزالة أكثر معالمها من بين الاعلام.
وملخص ما يمكن ان يقال ان تلكم التعاريف مختلفة جدا، وربما عادت في أصولها إلى أربعة، يصعب التقاؤها في قدر جامع، وتصور القدر الجامع لها لا يخلو من تعسف، فلا بد من استعراضها جميعا.