الصوم، فإن هناك أصلا متفقا عليه يتأدى فيه الصوم بمطلق النية، وهو النفل الذي هو عين مشروعا في وقته فيمكن تعليل ذلك لتعدية الحكم به إلى الفرع، وهناك أصل في الصوم الذي هو فرض لا يتأدى إلا بتعيين النية، وهو صوم القضاء فيمكن تعليل ذلك لتعدية الحكم به إلى الفرع فيكون القياس في موضعه من الجانبين، ثم الكلام في الترجيح بعد ذلك.
فإن قيل: فقد تكلمتم بالقياس في العذر بصوم يوم النحر وكون الصوم فيه مشروعا أم لا حكم لا مدخل للرأي فيه ثم اشتغلتم بالمقايسة فيه. قلنا:
لأنا وجدنا أصلا متفقا عليه في كون الصوم مشروعا فيه وهو سائر الأيام فأمكن تعدية الحكم بتعليله إلى الفرع، ثم يبقى وراء ذلك الكلام في أن النهي الذي جاء لمعنى في صفة هذا اليوم وهو أنه يوم عيد عمله يكون في إفساد المشروع مع بقائه في الأصل مشروعا أو في رفع المشروع وانتساخه، وهذا لا نثبته بالرأي وإنما نثبته بدليل النص، وهو الرجوع إلى موجب النهي أنه الانتهاء على وجه يبقى للمنتهي اختيار فيه كما قررنا. وقد تبين بما ذكرنا أن المجيب متى اشتغل بالتعليل بالرأي فالذي يحق على السائل أن ينظر أولا أن المتنازع فيه هل هو محل له وأن ما نذكره من العلة هل يتعدى الحكم به إلى الفرع، فإن لم يكن بهذه الصفة لا يشتغل بالاعتراض على علته ولكن يتبين له بطريق الفقه أن هذا التعليل في غير موضعه، وأنه مما لا يصلح أن يكون حجة حتى يتحول المجيب إلى شئ آخر أو يبين بطريق الفقه أنه تعليل صحيح في محله موافق لطريق السلف في تعليلاتهم ليكون ما يجري بعد ذلك بينهما على طريق الفقه.
فصل: في بيان القياس والاستحسان قال رضي الله عنه: اعلم بأن القسم الرابع الذي بيناه في الفصل المتقدم يشتمل على هذين الوجهين، وهو القياس والاستحسان عندنا، وقد طعن بعض الفقهاء في تصنيف له على عبارة علمائنا في الكتب: إلا أنا تركنا القياس واستحسنا، وقال: القائلون بالاستحسان يتركون العمل بالقياس الذي هو حجة شرعية