" الطريق إلى معرفة الأشياء أربعة لا خامس لها:
أولها - أن يعلم الشئ ضرورة، لكونه مركوزا في العقول، كالعلم بأن الاثنين أكثر من واحد... " (1).
وجعل في مكان آخر قبح التكليف بما لا يطاق مما هو مركوز في الأذهان أيضا (2).
وقال الشهيد بالنسبة إلى النية: "... إنها مركوز في جبلة العقلاء، حتى أن الإنسان لا يكاد يفعل فعلا خاليا عن القصد والداعي... " (3).
وقيل: " إن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات... " (4).
ومن ذلك قبول خبر الثقة وترجيح الأوثق عند تعارضه مع الثقة، لأنه مركوز في أذهان الناس (5).
2 - القوة التشريعية:
وربما يحصل الارتكاز على أثر القوة التشريعية، ومهما كانت هذه القوة أكثر نفوذا في القلوب كان الارتكاز أكثر عمقا ودواما، وأما لو كانت قوة قهرية غير نافذة في القلوب فلا تتحقق الأرضية المناسبة للارتكاز، بل ربما يسير الناس وفق القوة القهرية لكن من دون حصول ارتكاز أصلا.
قال المحقق النائيني بالنسبة إلى الطريقة العقلائية، وهي مبتنية على المرتكزات الذهنية:
"... إن مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو: إما أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم، وإما أن يكون مبدؤها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت، وإما أن تكون ناشئة من فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام.
ولا يخفى بعد الوجه الأول، بل استحالته عادة، وكذا الوجه الثاني، فالمتعين هو الوجه الثالث... " (1).
ومقصوده من نفي أن يكون النبي سببا للارتكاز إنما هو بالنسبة للمرتكزات العقلائية لا المرتكزات الشرعية فإنها لا بد من أن تنتهي إلى تشريع الأنبياء - وسوف يأتي مزيد توضيح للفرق بينهما - ولذلك قال السيد محمد تقي الحكيم بالنسبة إلى تكوين ارتكاز المتشرعة: "... وتكوين الارتكاز في نفوس الرأي العام لا يحتاج من وجهة نفسية إلى أكثر من إمرار فتوى ما في جيلين أو ثلاث على الحرمة مثلا، ليصبح ارتكازا في نفوس العاملين عليها " (2).