للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة " (1).
والذي نفهمه من هذا النص هو: أن المصلحة إذا كانت مهمتها المحافظة على مقصود شرعي مستفاد من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهي معتبرة وإلا فهي ملغاة.
ولكن قد تقدم أن درك المصلحة لا ينحصر بالطرق الثلاثة المتقدمة - أي: الكتاب والسنة والإجماع - بل العقل طريق آخر يمكن به إدراك بعض المصالح أيضا (2).
والمناسب أن ننقل كلام الأستاذ الخضري في نهاية دراسته لهذا الموضوع، حيث قال:
" إن كان جمهور الأصوليين ينفون القول بالمصالح المرسلة، فإن معظم الفقهاء - في استنباطهم - كثيرا ما يعولون عليها، وسلفهم في ذلك عمر بن الخطاب، فإنه اعتبر هذه المصالح في كثير من اجتهاداته، فهو الذي أسقط سهم المؤلفة قلوبهم، مع أن القرآن عدهم من المستحقين، وأسقط الحد عن السارق عام المجاعة، وترك التغريب في الزنى بعد أن لحق أحد المغربين بالروم وتنصر، وجعل الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ثلاثا، بعد أن كان واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعهد أبي بكر، وصدر من إمارته، كما روى ذلك مسلم في صحيحه، وله من ذلك كثير.
وقد وافقه في بعض هذه الاجتهادات جميع الفقهاء، ووافقه بعضهم في شئ منها، ولكنا نرى - كما يقول الغزالي -: أن الاسترسال في هذا الباب حرج، ونقول: إن المصالح المرسلة يجب أن تعتبر ما دامت لا تعود على نص بالإبطال، وإن أبطلت، أو خصصت فلا تعتبر إلا عند الضرورات الكلية المتيقنة. أما إذا كان الوصف لا يشهد له أصل معين بأي اعتبار ولا إلغاء، فلا يعتبر، قولا واحدا، وهذا هو الذي يسمونه المناسب المرسل الغريب، ومثله ما إذا دلت الأصول على إلغاء الشارع اعتباره " (1).
ثم مثل للأخير بإفتاء يحيى بن يحيى الليثي، خليفة الأندلس بصوم ستين يوما حينما جامع في نهار رمضان ولم يفته بالتخيير استصلاحا، لأن ذلك أزجر له.
ومن هذا القبيل ما نقله الشوكاني عن ابن دقيق العيد، حيث قال: " لست أنكر على من اعتبر أصل المصالح، لكن الاسترسال فيها وتحقيقها محتاج إلى نظر سديد، وربما يخرج عن الحد، وقد نقلوا عن عمر: أنه قطع لسان الحطيئة بسبب الهجو، فإن صح ذلك فهو من باب العزم على المصالح المرسلة، وحمله على التهديد الرادع، للمصلحة أولى من حمله على حقيقة القطع، للمصلحة، وهذا يجر إلى النظر في ما يسمى مصلحة مرسلة ".