وقال في توضيح ذلك: إن فعل الغير إذا كان له فائدة عائدة إلى الشخص فسوف ينبعث من الشوق إلى تلك الفائدة شوق إلى فعل الغير، وبتبعه يحصل الشوق إلى ما يوجب حصول الفعل من الغير اختيارا، وهو تحريكه إلى الفعل.
فالإرادة التشريعية ليست هي المتعلقة بتحريك الغير - لأن هذه تكوينية، إذ التحريك من فعله - بل هي الشوق المتعلق بفعل الغير الصادر منه اختيارا، لما فيه فائدة عائدة إلى المريد.
فالإرادة التشريعية - عنده - لها عنصران:
1 - أن يكون متعلقها فعل الغير، الصادر منه اختيارا.
2 - أن يترتب على ذلك الفعل فائدة عائدة إلى المريد.
فإذا انتفى أحد العنصرين لم تكن الإرادة تشريعية عندئذ.
ولما لم يعقل عود النفع إليه تعالى فلا تعقل فيه الإرادة التشريعية، بل تكون إرادته تكوينية دائما، ومتعلقها النظام التام في عالم الإمكان، نعم، من جملة هذا النظام إرسال الرسل وتحريك العباد لما فيه صلاحهم، وزجرهم عما فيه فسادهم.
لكن لا بأس بإطلاق الإرادة التشريعية على نفس البعث والزجر، كما ورد في الخبر الشريف عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: " إن لله إرادتين ومشيئتين:
إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء " (1).
وعلى هذا الأساس لا تتحقق الإرادة التشريعية في نفس النبي (صلى الله عليه وآله) والولي (عليه السلام) أيضا، وذلك لعدم وجود نفع عائد من فعل المكلفين إليهما، بل إنما تكون إرادتهما تكوينية، وهي تحريك العباد وبعثهم بداعي انبعاثهم نحو الفعل (2).
3 - وقال المحقق العراقي في الفرق بينهما: إن كل آمر ومريد لفعل من الغير، تارة تتعلق إرادته بوجود العمل منه مطلقا، شاء أو أبى، بحيث يكون مسلوب الاختيار، وتارة تتعلق بوجوده على نحو يصدر منه باختياره.
ويمكن أن نمثل - من قبله - للأول بما إذا أخذ شخص بيد شخص آخر ليختم في الورقة، مع أنه لا يريد ذلك، بل يكرهه، وللثاني بأمر ذلك الشخص أو استدعائه أو التماسه لأن يقوم بالختم باختياره.
فالإرادة على النحو الأول تكوينية، وعلى النحو الثاني تشريعية (3).
4 - وأما المحقق النائيني فلم يظهر منه فرق دقيق بين الإرادتين إلا ما قاله: من أنه لا فرق في تفسير الطلب بالتحريك نحو المطلوب وتأثير النفس