لمعانيها في نفس الامر، أي قصد ثبوت معانيها وتحققها بها، وهذا نحو من الوجود، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا آثار، كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات.
نعم لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجي والتمني - بالدلالة الالتزامية - على ثبوت هذه الصفات حقيقة، إما لاجل وضعها لإيقاعها، فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة، فلو لم تكن هناك قرينة، كان إنشاء الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها، لاجل كون الطلب والاستفهام وغيرهما قائمة بالنفس، وضعا أو إطلاقا.
إشكال ودفع: أما الاشكال، فهو إنه يلزم بناء على اتحاد الطلب والإرادة، في تكليف الكفار بالايمان، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان، إما أن لا يكون هناك تكليف جدي، إن لم يكن هناك إرادة، حيث أنه لا يكون حينئذ طلب حقيقي، واعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي، وإن كان هناك إرادة، فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلف، إذا أراد الله شيئا يقول له: كن فيكون.
وأما الدفع، فهو أن استحالة التخلف إنما تكون في الإرادة التكوينية وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التام، دون الإرادة التشريعية، وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلف. وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية، فإذا توافقتا فلا بد من الإطاعة والايمان، وإذا تخالفتا، فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
إن قلت: إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والايمان، بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد، فلا يصح أن يتعلق بها التكليف، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا.